شرح حديث مع فوائده.... لفضيلة الشيخ ابن العثيمين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء اعرابي فبال في طائفة المسجد, فزجره الناس, فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم, فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه)) متفق عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح:ـ
قال جاء اعرابي (( أي ساكن البادية)) والغالب على الأعراب الجهل لأتهم ليسوا في المدن والقرى حتى يعلموا ثبوت ماأنزل الله على رسوله, فهم جهال, فدخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكان به (( برحة متسع )) فتنحى طائفآ فجعل يبول فزجره الناس (( أي نهروه بشده )) ليقوم من بوله, لأن البول (( نجس )) ولأن المسجد يجب أن يطهر من النجاسة, فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاتزرموه ))
(( أي لا تقطعوا عليه بوله )) دعوه يكمل فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء(( والذنوب: هو الدلو المملوؤه)) فأريق عليه (( أي صب عليه )) ثم دعا الأعرابي فقال له: (( إن المساجد لا يكون فيها شئ من الأذى والقذر وإنما هي الصلاة والتكبير وقرآءة القرآن والذكر )) وكما قال صلى الله عليه وسلم فقال الأعرابي (( اللهم أرحمني ومحمدآ ولا ترحم معنا أحدآ )) قال ذلك لأن الصحابة نهروه وزجروه ولأن محمدآ صلى الله عليه وسلم تكلم معه بهدوء وبين له الحكم الشرعي على وجه أطمأن إليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فوائد الحديث
1- منها الجاهل لا يكلم كما يكلم العالم وإتما يرفق به لأن هذا الأعرابي ظن هذه(( البرحة )) كالبر أي مكان يبول فيه الأنسان فلابأس.
2- ومنها أي من الفوائد أن الغالب على البادية الجهل وكذلك من كان بمعنى البادية وهو الذي لا يحضر مجالس العلم ولا يختلط بالعلماء فإنه سيغلب عليه الجهل.
3- ومنها وجوب المبادرة في الإنكار المنكر لأن الصحابة بادروا في الإنكار المنكر وزجروه بشدة *(( لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم( ولم ينبه على ذلك))
4- ومنها إنه إذا كان المنكر لا يزول إلا بما هو أعظم فإنه لا ينكر بل يسكت عليه حتى ينكر فيما بعد ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم(( نهى الصحابة أن يقطعوا بوله )) ووجه ذلك أن المفسدة حصلت بأول البول وقطعه فيه مضره على نفس الإعرابي (( وفيه أنه ربما يتلوث ثياب الإعرابي وأفخاذه وربما يتلوث ما في المسجد بقعة أكبر حيث يترشش)) فلما كان هذا المنكر وهو البول في المسجد إذا قطعه يترتب ما هو أعظم منه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء
5- ومنه أن الأرض تطهر إذا صب عليه الماء(( ولا حاجة إلى تحجيرها)) أي حفرها كما يفعل بعض الناس فيما سبق يحجرون ثم يصبون الماء.... ليس هناك حاجة بل يصب الماء على مكان النجاسة وتطهر الأرض إلا إذا كانت النجاسة لها جرب كالعذرة والدليجاء فلابد أن يزال هذا الجرب ثم بعد ذلك يغسل مكانه بصب الماء
6- ومن فوائد الحديث أن النجاسة على الأرض لا يشترط فيها عدد يكفي أن تغمر بالماء فتطهر
7- ومن فائد الحديث أن بول الآدمي نجس ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الأرض منه وكذلك وقد ورد الوعيد على من (( لا يستبرء ولا يتنزه عن بوله كما سيذكر إن شاء الله تعالى))
8- ومن فوائد الحديث أنه يشترط للصلاة طهارة البقعة لأن المسجد مكان الصلاة ولولا أنه يشترط الطهارة له ماأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يراق على بوله شئ سجل من ماء
9- ومن فوائد الحديث أنه لا يجوز ألقاء النجاسة في المساجد وكذلك ايضآ لا يجوز إلقاء القمامة في المساجد ولو كانت طاهرة لأنه ايضآ يجب أن تتنزه المساجد عن الأذى والقذر حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( عرضت علي أجور أمتي حتى القذارة يخرجها الرجل من المسجد ) ) يعني حتى الأشياء الصغيرة يخرجها من المسجد فلها أجر
10- ومن فوائد الحديث أن تطهير المساجد فرض بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (( أريق على بوله )) وهو فرض كفاية أن قام به أحد يكفي من موظف كالفراشين أو غيره فهذا المقصود (( إلا يجب على كل من علم بالنجاسة أن يزيلها أو يخبر من يزيلها ))
11- ومن فوائد الحديث حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه, وحكمته صلى الله عليه وسلم في تعليمه ولهذا نزل هذا الجاهل في المنزلة التي يستحقها (( لم ينتهره ولم يوبخه ولم يعبس في وجه )) بل كلمه بهدوء
12- ومن فؤائد الحديث ايضآ حسن تعليمه عليه الصلاة والسلام حيث بين أن المساجد لا يصلح شئ فيها الأذى والقذر وإنها بنيت لعبادة الله عزوجل للصلاة والذكر وقرآءة القرآن أو كما قال
13- من فلائد الحديث أنه لا يفعل شئ يتعلق بالدنيا في هذه المساجدفلا يباع فيها ولا يشتري فيها ولاينشد الضالة ولا يكتسب بها في صنعه فلو كان إنسان خياطآ يخيط الثياب أو يرقعها وفعل ذلك في المساجد كان هذا حرامآ لأن المساجد لم تبنى للدنيا وإنما بنيت لما يقرب إلى الله عزوجل
مفرغ من شرح مختصر بلوغ المرام (( كتاب الطهارة ـ باب نجاسة بول الإنسان))
.........................