| مهم جدا لطلبة العلم وكيفية الرد على الفرق الضالة والمبتدعة. | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: مهم جدا لطلبة العلم وكيفية الرد على الفرق الضالة والمبتدعة. 2011-09-09, 21:11 | |
|
مهم جدا لطلبة العلم وكيفية الرد على الفرق الضالة والمبتدعة.
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -قال: "بينما نحن عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لايرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : "الإسلام، أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً". قال: صدقت . قال: فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإن يراك". قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان". قال: ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي: "يا عمر أتدري من السائل؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى، ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: سأل جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم ، عن الإيمان بعد أن سأله عن الإسلام قال: فأخبرني عن الإيمان؟ فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". والإيمان هو: "الاعتراف المستلزم للقبول والإذعان" أما مجرد أن يؤمن الإنسان بالشيء بدون أن يكون لديه قبول وإذعان، فهذا ليس بإيمان، بدليل أن المشركين مؤمنون بوجود الله ومؤمنون بأن الله هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر للأمور، وكذلك أيضاً فإن الواحد منهم قد يقر برسالة النبي، صلى الله عليه وسلم ، ولا يكون مؤمناً، فهذا أبو طالب عم النبي، صلى الله عليه وسلم ، كان يقر بأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، صادق وأن دينه حق يقول: لقد علموا أن ابننا لامكذب لدينا ولايعنى بقول الأباطل وهذا البيت من لاميته المشهورة الطويلة التي قال عنها ابن كثير: ينبغي أن تكون إحدى المعلقات في الكعبة، ويقول أيضاً: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لرأيتني سمحاً بذاك مبينا فهذا إقرار بأن دين الرسول، صلى الله عليه وسلم ، حق، لكن لم ينفعه ذلك، لأنه لم يقبله ولم يذعن له فكان ـ والعياذ بالله ـ بعد شفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم ، في ضحضاح من نار، وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه ـ نسأل الله تعالى أن يعافينا وإياكم من النار ـ وهو أهون الناس عذاباً لكنه يرى أنه أشدهم عذاباً، وكونه يرى أنه أشدهم عذاباً، فهذا تعذيب نفسي قلبي، لأن الإنسان إذا رأى غيره مثله في العذاب أو دونه يهون عليه ماهو فيه، ولهذا قال تعالى: ]ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون[(1). وعلى هذا فنقول: إن الإيمان ليس مجرد الاعتراف، بل لابد من الاعتراف المستلزم للقبول والإذعان، ولقد عجبت أيما عجب حينما صعد جاجارين الروسي إلى الفضاء، وقال بعد أن صعد الفضاء ورأى وشاهد الآيات العظيمة، قال: إن لهذا الكون مدبراً، ومع ذلك فلم يؤمن. الركن الأول: الإيمان بالله قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أن تؤمن بالله". والإيمان بالله - عز وجل - يتضمن الإيمان بأربعة أمور: الإيمان بوجود الله، والإيمان بربوبية الله، والإيمان بألوهية الله، والإيمان بأسمائه وصفاته. أولاً: الإيمان بوجود الله: وهو أن تؤمن بأن الله تعالى موجود، والدليل على وجوده العقل، والحس والفطرة، والشرع. أولاً: الدليل العقلي: فالدليل العقلي على وجود الله ـ عزوجل ـ أن نقول: هذا الكون الذي أمامنا ونشاهده على هذا النظام البديع الذي لا يمكن أن يضطرب ولا يتصادم ولا يسقط بعضه بعضاً بل هو في غاية ما يكون من النظام ]لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار[(2) فهل يعقل أن هذا الكون العظيم بهذا النظام البديع يكون خالقاً لنفسه؟ كلا لا يعقل، لأنه لا يمكن أن يكون خالقاً لنفسه إذ إن معنى ذلك أنه عدم أوجد موجوداً، ولا يمكن للعدم أن يوجد موجوداً، إذاً فيستحيل أن يكون هذا الكون موجداً لنفسه، ولا يمكن أيضاً أن يكون هذا الكون العظيم وجد صدفة، لأنه على نظام بديع مطرد، وما جاء صدفة فالغالب أنه لا يطرد ولا يمكن أن يأتي صدفة لكن على التنزل. ويذكر عن أبي حنيفة - رحمه الله - وكان معروفاً بالذكاء أنه جاءه قوم دهريون يقولون له: أثبت لنا وجود الله فقال: دعوني أفكر، ثم قال لهم: إني أفكر في سفينة أرست في ميناء دجلة وعليها حمل فنزل الحمل بدون حمال، وانصرفت السفينة بدون قائد، فقالوا : كيف تقول مثل ذلك الكلام فإن ذلك لا يعقل ولايمكن أن نصدقه؟ فقال: إذا كنتم لا تصدقون بها فكيف تصدقون بهذه الشمس، والقمر، والنجوم، والسماء، والأرض، كيف يمكن أن تصدقوا أنها وجدت بدون موجد؟!. وقد أشار الله تعالى إلى هذا الدليل العقلي بقوله:]أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون[(1). وسئل أعرابي فقيل له: بم عرفت ربك؟ والأعرابي لا يعرف إلا ما كان أمامه فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟ بلى. ثانياً: الدليل الحسي: فهو ما نشاهده من إجابة الدعاء مثلاً فالإنسان يدعو الله ويقول : ياالله فيجيب الله دعاءه ويكشف سوءه ويحصل له المطلوب وهو إنما قال: ياالله إذاً هناك رب سمع دعاءه، وأجابه، وما أكثر ما نقرأ نحن المسلمين في كتاب الله أنه استجاب لأنبياء الله: ]ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له[(2)، ]وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له[(3). والآيات في هذا كثيرة والواقع يشهد بهذا. ثالثاً: الدليل الفطري: فإن الإنسان بطبيعته إذا أصابه الضر قال: (يا الله) حتى إننا حدثنا أن بعض الكفار الموجودين الملحدين إذا أصابه الشيء المهلك بغتة يقول على فلتات لسانه: (يا الله) من غير أن يشعر، لأن فطرة الإنسان تدله على وجود الرب ـ عز وجل ـ، ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[(4). رابعاً: الدليل الشرعي: وأما الأدلة الشرعية فحدث ولاحرج، كل الشرع إذا تأمله الإنسان علم أن الذي أنزله وشرعه هو الرب - عز وجل - قال الله تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً[(5) فائتلاف القرآن وعدم تناقضه وتصديق بعضه بعضاً كل ذلك يدل على أن القرآن نزل من عند الله - عز وجل - وكون هذا الدين بل كون جميع الأديان التي أنزلها الله - عز وجل - موافقة تماماً لمصالح العباد دليل أنها من عند الله ـ عز وجل ـ. ولكن حصل على جميع الأديان تحريف وتبديل وتغيير من المخالفين لشرائعه: ]يحرفون الكلم عن مواضعه[(1) لكن الدين الذي نزل على الأنبياء كله يشهد بوجود الله - عز وجل - وحكمته وعلمه. ثانياً: الإيمان بربويته: ومعنى (الرب): أي الخالق، والمالك، والمدبر، فهذا معنى ربوبية الله ـ عز وجل ـ، ولا يغني واحد من هذه الثلاثة عن الآخر، فهو الخالق الذي أوجد الأشياء من عدم ]بديع السموات والأرض[(2)، ]الحمد لله فاطر السموات والأرض[(3) فالذي أوجد الكون من العدم هو الله الخالق، المالك أي خلق الخلق وانفرد بملكه له كما انفرد بخلقه له، وتأمل قول الله تعالىفي سورة الفاتحة: ]مالك يوم الدين[. وفي قراءة أخرى سبعية: ]ملك يوم الدين[(4) وهي قراءة سبعية متواترة، وإذا جمعت بين القراءتين ظهر معنى بديع، الملك أبلغ من المالك في السلطة والسيطرة، لكن الملك أحياناً يكون ملكاً بالاسم لا بالتصرف، وحينئذ يكون ملكاً غير مالك، فإذا اجتمع أن الله تعالى: ملك ومالك تم بذلك الأمر: الملك، والتدبير. ولهذا نقول: إن الله - عز وجل - منفرد بالملك، كما انفرد بالخلق، كذلك أيضاً منفرد بالتدبير، فهو المدبر لجميع الأمور وهذا بإقرار المشركين، فإنهم إذا سئلوا من يدبر الأمور؟ فسيقولون: الله فهو المنفرد بالتدبير: ]يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه[(5). سئل أعرابي: بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم. فالإنسان يعزم أحياناً على الشيء عزماً وتصميماً أكيداً وفي لحظة يجد نفسه قد عزم على تركه ونقض العزم، وقد يهم الإنسان بالشيء متجهاً إليه ثم ينصرف بدون سبب، وهذا يدل على أن للأشياء مدبراً فوق تدبيرك أنت، وهو الله ـ عز وجل ـ. فإن قال قائل: كيف تقول : إن الله منفرد بالخلق، مع أنه أثبت الخلق للمخلوق وسمى المخلوق خالقاً. قال سبحانه: ]ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين[(6) وفي الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، يقال للمصورين: "أحيوا ما خلقتم"؟. فالجواب: أن خلق الإنسان ليس خلقاً في الحقيقة، لأن الخلق هو الإيجاد من العدم، والإنسان عندما يخلق لا يوجد من عدم، لكن يغير الشيء من صورة إلى صورة أخرى. وكذلك (الملك) فإن قال قائل: كيف تقول: إن الله منفرد بالملك مع أن الله سبحانه أثبت الملك لغيره فقال: ]إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم[(1) وقال: ]أو ماملكتم مفاتحه[؟(2). فالجواب: أن يقال: إن ملك الإنسان ليس كملك الله، لأن ملك الله - عز وجل - شامل لكل شيء، ولأن ملك الله تعالىملك مطلق غير مقيد، أما ملك الإنسان للشيء فهو غير شامل، فمثلاً الساعة التي معي لا تملكها أنت/ والساعة التي معك لا أملكها أنا، فهو ملك محدود ليس شاملاً، كذلك أيضاً ليس ملكاً مطلقاً فأنا لا يمكنني أن أتصرف في ساعتي كما أريد، لأنني مقيد بالشرع الذي هو المصلحة، فلو أراد إنسان تكسير ساعته مثلاً فإن ذلك لا يجوز ولا يملك شرعاً أن يفعل ذلك، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، نهى عن إضاعة المال فكيف بإتلافه؟ ولهذا قال العلماء: إن الرجل لو كان بالغاً عاقلاً له زوجة وأولاد، وهو سفيه في المال لا يتصرف فيه تصرف الرشيد فإنه يحجر على ماله. لكن الله - عز وجل - يتصرف في ملكه كما يشاء، يحيي ويميت، ويمرض ويشفي، ويغني ويفقر، ويفعل ما يشاء على أننا نؤمن بأنه - عز وجل - لا يفعل الشيء إلا لحكمة. إذاً فهناك فارق بين ملك الخالق وملك المخلوق. وبهذا عرفنا أن قولنا: إن الله منفرد بالملك قول صحيح لا يستثنى منه شيء. وكذلك التدبير، فإنه قد يكون للإنسان، فإنه يدبر مثل أن يدبر خادمه أو مملوكه، أو سيارته، أو ماشيته فله تدبير، لكن هذا التدبير ليس كتدبير الله، فهو تدبير ناقص ومحدود. ناقص إذ لا يملك التدبير المطلق في ماله فأحياناً يدبر البعير لكن البعير تعصيه، وأحياناً يدبر الإنسان ابنه فيعصيه كذلك، وكذلك هو تدبير محدود فلا يمكن أن يدبر الإنسان إلا ماله السيطرة والسلطة عليه التي جعلها الشارع له وبهذا صح أن نقول: إن الله منفرد بالتدبير كما قلنا : إنه منفرد بالخلق، والملك. ثالثاً: الإيمان بألوهيته: وهو أن يؤمن الإنسان بأنه سبحانه هو الإله الحق، وأنه لا يشاركه أحد في هذا الحق لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولهذا كانت دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم هي الدعوة إلى قول: ]لا إله إلا الله[. ]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[(1) ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[(2). لو أن أحداً آمن بوجود الله، وآمن بربوبية الله، ولكنه يعبد مع الله غيره فلا يكون مؤمناً بالله حتى يفرده سبحانه بالألوهية. وقد يقول قائل: إن الله تعالىأثبت وصف الألوهية لغيره فقال تعالىعن إبراهيم: ]أئفكاً آلهة دون الله تريدون[(3) وقال تعالى: ]ولا تدع مع الله إلهاً آخر[(4) إلى غير ذلك من الآيات فكيف يصح أن تقول: إن الله متفرد بالألوهية؟ فالجواب: أن الألوهية المثبتة لغير الله ألوهية باطلة، ولهذا صح نفيها نفياً مطلقاً في مثل قول الرسل عليهم الصلاة والسلام لأقوامهم: ]اعبدوا الله مالكم من إله غيره[(5) لأنها آلهة باطلة:]ذلك بأن الله هو الحق وأن مايدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير[(6). رابعاً: الإيمان بأسمائه وصفاته: وهذا معترك الفرق المنتسبة للإسلام بالنسبة لإفراد الله تعالىبالأسماء والصفات، فقد انقسموا إلى فرق شتى أصولها ثلاثة: الأول: الإيمان بالأسماء دون الصفات. الثاني: الإيمان بالأسماء والصفات. الثالث: الإيمان بالأسماء وبعض الصفات. وهناك غلاة ينكرون حتى الأسماء، فيقولون: "إن الله - عز وجل - ليس له أسماء ولا صفات" لكننا تركناها لأنها متشعبة. السلف الصالح الذين كانوا على ماكان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه يقرون بالأسماء والصفات اتباعاً لما جاء في كلام الله - عز وجل - قال تعالى: ]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[(1) وهذا دليل إثبات الأسماء لله تعالى، وأما الدليل على إثبات الصفات فقوله تعالى: ]ولله المثل الأعلى[(2) ومعنى ]المثل الأعلى[ أي الوصف الأكمل، ففي الآيتين عمومان: أحدهما: في الأسماء. والآخر: في الصفات. أما التفاصيل فكثيرة في القرآن والسنة. وهناك من يثبت الأسماء دون الصفات فيقول: إن الله سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وهذا هو المشهور في مذهب المعتزلة. والفريق الثالث: يثبت الأسماء وبعض الصفات، فيثبت من الصفات سبعاً وينكر الباقي، والسبع هي: 1.الحياة. 2.والعلم. 3.والقدرة. 4.والسمع. 5.والبصر. 6.والإرادة. 7.الكلام. جمعها السفاريني في عقيدته بقوله: له الحياة والكلام والبصر سمع إرادة وعلم واقتدر بقـدرة تعلقت بمـمكـن كـــذا إرادة فعِ واستبنِ يقولون: إن هذه الصفات دل عليها العقل فنثبتها، وما عداها فالعقل لا يدل عليها فلا نثبتها. فيقولون: إن الموجودات دالة على إيجاد، والإيجاد يدل على القدرة، فلا يمكن إيجاد بلا قدرة وهذا دليل عقلي، ويقولون إن التخصيص يدل على إرادة أي كون هذه شمساً ، وهذا قمراً ، وهذه سماء، وهذه أرضاً كل ذلك يدل على إرادة وأن الذي خلقها أراد أن تكون على هذا الوجه، وهذا دليل عقلي أيضاً. وإذا نظرنا في الخلق وجدناه خلقاً محكماً متقناً، والإحكام يدل على العلم، لأن الجاهل لايتقن. فثبتت الآن ثلاث صفات: القدرة، والإرادة، والعلم. ثم قالوا: إن هذه الثلاث لا تقوم إلا بحي ومن ثم ثبت أنه حي، فالحي إما أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً، أو أعمى أصم أخرس، والصمم، والعمى، والخرس صفات نقص، والسمع، والبصر، والكلام صفات كمال، فوجب ثبوت الكمال للحي. فهذه أدلتهم وهي أدلة عقلية، فلذلك أثبتوا هذه الصفات السبع. فإذا قيل له: تثبت لله رحمة؟ قال: لا أثبت له الرحمة، لأني أفسرها بما أعتقد وأقول: الرحمة إرادة الإحسان، أو هي الإحسان نفسه، فلا يفسرها بصفة. ولكن نقول: هذا خطأ بل نحن نستدل بالعقل على ثبوت الرحمة بما نشاهد من آثارها، فالنعم التي لاتعد، والنقم التي تدفع عنا هي بسبب الرحمة، ودلالة هذه النعم على صفة الرحمة أقوى من دلالة التخصيص على صفة الإرادة، لأن دلالة هذه النعم على الرحمة يعرفها العامي والخاص، ومع هذا فينكر هؤلاء صفة الرحمة ويثبتون صفة الإرادة. وبذلك تعرف أن كل من حاد عن طريق السلف فهو في تناقض مطرد، لأن الباطل لا يأتلف أبداً: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً[(1) وموقفنا نحن من الإيمان بأسماء الله وصفاته، أن نثبت ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الصفات، وأن ننزه هذا الإثبات عن محظورين عظيمين وهما: التمثيل، والتكييف، ودليل ذلك السمع والعقل قال تعالى: ]ليس كمثله شيء[(2). ]فلا تضربوا لله الأمثال[(3) . ]هل تعلم له سميّاً[(4) . ]فلا تجعلوا لله أنداداً[(5) والنصوص في هذا المعنى كثيرة. أما العقل، فإننا نقول: لا يعقل أبداً أن يكون الخالق مماثلاً للمخلوق لما بينهما من التباين العظيم ، فالخالق موجِد، والمخلوق موجَد ، والخالق أزلي أبدي الوجود ، والمخلوق جائز الوجود قابل للفناء بل هو فان قال تعالى : ]كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام[(6). قال بعض السلف ـ رحمهم الله ـ: إذا قرأت هذه الآية: ]كل من عليها فان[(7) فلا تقف عليها فصلها بما بعدها: ]ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام[( ليتميز الفرقان المبين بين الخالق والمخلوق، وليعرف كمال الله - عز وجل - ونقص ما سواه. لكن لو قال لنا قائل: مما وصف الله به نفسه أن له وجهاً كما قال سبحانه: ]ويبقى وجه ربك[(1) وأنا لا أعقل من الوجه إلا مثل وجه المخلوق فيلزم من إثبات الوجه لله التمثيل، لأن القرآن عربي، والوجه هو مايتعارف بين الناس وأكمل الوجوه وجوه البشر، فوجه الله كوجه الإنسان مثلاً فماذا نقول له؟ نقول له: إن هذا الفهم فهم خاطئ، لأن الوجه مضاف إلى الله، والمضاف بحسب المضاف إليه، فوجه الله يليق بالله، ووجه الإنسان يليق بالإنسان، ونقول له أيضاً: أنت لك وجه، والأسد له وجه، والهر له وجه، فإذا قلنا : وجه الإنسان، ووجه الأسد، ووجه الهر، فهل يلزم من ذلك التماثل؟! فلا أحد يقول: إن وجهه يماثل وجه الهر، أو الأسد أبداً. إذاً نعرف من هذا أن الوجه بحسب ما يضاف إليه، فإثباتنا لصفات الله - عز وجل - لا يستلزم أبداً المماثلة بين الخالق والمخلوق بدليل السمع وبدليل العقل. الثاني: التكييف: أي إن صفات الله - عز وجل - لا تكيف تقديراً بالجنان ولا نطقاً باللسان، ودليل ذلك سمعي وعقلي أيضاً. الدليل السمعي قوله تعالى: ]ولا يحيطون به علماً[(2)، وقوله: ]ولا يحيطون بشيء من علمه[(3) على أحد التفسيرين وقوله تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون[(4) وقوله: ]ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً[(5) فمن كيف صفة الله فقد قال على الله مالا يعلم. أما الدليل العقلي لامتناع التكييف فإننا نقول: لا يمكن لأي إنسان أن يعرف كيفية الشيء إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو الخبر الصادق عنه. مثل: لو أني شاهدت مسجلاً بعينه فإني أعرف كيفيته لأنني شاهدته بعيني أو مشاهدة نظيره مثل أن يأتيني رجل ويقول: عندي سيارة واشتريتها موديل 88 مثلاً، وصفتها كذا، ولونها كذا، فإنه يمكنني معرفة هذه السيارة، مع أني لم أشاهدها، لأني أعرف نظيرها وأشاهده. ومثال الخبر الصادق عندي مثل: أن يأتيني رجل ويقول : عندي بعير صفته كذا وكذا، وعليه الوسم الفلاني، فهذا عرفت كيفيته بالخبر الصادق. إذا طبقنا هذه القاعدة العقلية على صفات الله ـ عز وجل ـ، فإنه لا يمكن أن نعرف صفات الله - عز وجل - بهذه الوسائل الثلاث، لأننا لم نشاهد ولم نشاهد نظيراً ولم نخبر عنه. ولهذا قال بعض العلماء : إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف ينزل؟ فقل: إن الله أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل، فعلينا أن نؤمن بما بلغنا وأن نمسك عما لم يبلغنا. ونظير ذلك قول مالك - رحمه الله - حين سأله سائل: ]الرحمن على العرش استوى[(1) كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك برأسه تعظيماً لهذا السؤال وتحملاً وتحسباً له حتى علاه الرحضاء ـ أي العرق ـ ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي تعتبر ميزاناً لجميع الصفات قال له: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". فكل من سأل عن كيفية صفة من صفات الله قلنا له: أنت مبتدع فوظيفتك أن تؤمن بما بلغك وتسكت عما لم يبلغك. الركن الثاني: الإيمان بالملائكة الملائكة: جمع ملك وأصل (ملك) كما يقول النحويون الذين يحللون ألفاظ اللغة العربية يقولون: أصله (مألك)، ثم زحزت الهمزة إلى مكان اللام وقدمت اللام فصار (ملأك)، ثم حذفت الهمزة للتخفيف فصار (ملك) لماذا؟ قالوا: لأن ملائكة مأخوذة من (الألوكة) وهي الرسالة والهمزة في (الألوكة) مقدمة على اللام. فالملائكة إذاً هم الرسل كما قال الله تعالى: ]جاعل الملائكة رسلاً[(2). وإذا أردنا أن نعرفهم نقول: هم عالم غيبي خلقهم الله - عز وجل - من نور: ]يسبحون الليل والنهار لا يفترون[(3) يقومون بأمر الله، ]لا يعصون الله ماأمرهم ويفعلون ما يؤمرون[(4). والإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة، فهذا مرتبته في الدين، ومن أنكر الملائكة فهو كافر، لأنه مكذب لله، ورسوله، وإجماع المسلمين. كيف نؤمن بالملائكة؟ نؤمن بهم أولاً: بأسماء من علمنا اسمه منهم، ثانياً: بأوصاف من علمنا وصفه، ثالثاً: بأعمال من علمنا عملهم. أولاً: نؤمن بأسماء من علمنا اسمه: كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، ورضوان، وملك الموت، ومنكر، ونكير، فجبريل، وميكائيل، وإسرافيل كل منهم موكل بما فيه الحياة: فجبريل: موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي، لأن جبريل هو الذي جعله الله تعالى وكيلاً في نزول الوحي على الرسل، كما قال تعالى: ]نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين[(1). وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الأجساد عند البعث. وأما: ميكائيل: فهو موكل بالقطر، والنبات، وبالقطر والنبات تكون حياة الأرض. ولهذا جمع النبي، صلى الله عليه وسلم ، بين هؤلاء الملائكة في حديث استفتاح صلاة الليل، فكان يستفتح صلاة الليل بقوله: "اللهم رب جبرائيل، وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذاًك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". وأما (مالك): فهو موكل بالنار لقوله تعالىعن أهل النار: ]ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون[(2). وأما (رضوان): فموكل بالجنة واسمه هذا ليس ثابتاً ثبوتاً واضحاً كثبوت مالك لكنه مشهور عند أهل العلم بهذا الاسم، والله أعلم. وأما السادس (ملك الموت): وقد اشتهر أن اسمه (عزرائيل)، لكنه لم يصح، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لاتوجب أن نؤمن بهذا الاسم، فنسمي من وكل بالموت بـا(ملك الموت) كما سماه الله - عز وجل - في قوله: ]قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون[(3). والسابع والثامن وهما (منكر ونكير): وهما الملكان اللذان يسألان الميت في قبره، وقد ورد في ذلك حديث في الترمذي ضعفه بعض العلماء وقال : إنه لا يمكن أن يطلق اسم (منكر ونكير) على الملائكة الذين: ]لا يعصون الله ماأمرهم ويفعلون ما يؤمرون[(4) . على كل حال فهما الملكان اللذان يسألان الميت عن ربه، ودينه، ونبيه. ثانياً: الإيمان بأوصاف من علمنا وصفه: علمنا بما صح عن النبي، عليه الصلاة والسلام، أنه رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق، وهذا يدل على عظمته، ومع ذلك فإنه من الممكن أن يأتي على غير هذه الصفة، كما أتى على صورة رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر، كما في الحديث الذي نحن بصدد شرحه، وجاء مرة على صورة دحية الكلبي، ولكن هذا التحول من الصورة التي هو عليها إلى صورة البشر إنما كان بأمر الله، وقد تمثل جبريل بشراً لمريم بنت عمران كما قال تعالى: ]فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً[(1). ومن أهم مايجب الإيمان به أن نؤمن بأن كل شخص معه ملكان يكتبان عمله كما قال الله تعالى : ] إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد[(2) رقيب حاضر من هؤلاء الملائكة. فإياك أيها المسلم أن يكتب هذان الملكان عنك مايسوؤك يوم القيامة فكل شيء تقوله وتلفظ به فإنه مكتوب عليك: ]مايلفظ من قول[(3) سواء كان لك، أو عليك، أو لغواً لا لك ولا عليك، فاحرص يا أخي على ضبط اللسان حتى لا يكتب عليك كلمات تسوؤك يوم القيامة. ولما دخلوا على الإمام أحمد - رحمه الله - وكان مريضاً فإذا هو يئن أنين المريض فقيل له : يا أبا عبدالله: "إن طاووساً ـ وهو أحد التابعين ـ يقول : إن أنين المريض يكتب عليه" فأمسك عن الأنين، فأنين المريض قد يكتب عليه، فما يلفظ الإنسان من قول إلا لديه رقيب عتيد يكتب عمله، وإذا كان يوم القيامة يخرج له كتابه: ]يلقاه منشوراً . اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً[(4) . الركن الثالث: الإيمان بالكتب الركن الثالث وهو الإيمان بكتب الله - عز وجل - التي أنزلها على الرسل، وما من رسول إلا أنزل الله معه كتاباً قال تعالى : ] لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان[(5) وقال تعالى: ]كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[(1) فما من رسول إلا أنزل الله معه كتاباً يهتدي به الناس. كيف نؤمن بالكتب؟ الإيمان بالكتب: أن نؤمن بما علمنا اسمه باسمه، والذي علمنا اسمه من هذه الكتب: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى ـ إن قلنا إنها غير التوراة ـ ومالم نعلم اسمه نؤمن به إجمالاً، لأن الله تعالى لا يضيع خلقه بل سينزل عليهم الكتب ليبين لهم الحق، هذا من حيث الإيمان بالكتب. أما من حيث قبول ماجاء فيها من خبر، فيجب أن نقبل كل ماجاء في هذه الكتب من الخبر، ولكن لا يعني أن نقبل كل خبر فيها الآن، لأنها دخلها التحريف والتغيير والتبديل، لكن نقول: إننا نؤمن بكل خبر جاء في التوراة، أو في الإنجيل، أو في الزبور، أو في صحف إبراهيم. مثال ذلك: في صحف إبراهيم: "لا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ماسعى" وعلمنا ذلك من قوله تعالى: ]أم لم ينبأ بما في صحف موسى . وإبراهيم الذي وفى . ألا تزر وازرة وزر أخرى . وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى . ثم يجزاه الجزاء الأوفى[(2) وقوله تعالى: ]بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى . إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى[(3). فما صح من هذه الكتب فإنه يجب علينا أن نقبل خبرة بدون تفصيل هذا بالنسبة للأخبار. أما بالنسبة للأحكام ـ أي مافي الكتب المنزلة من الأحكام ـ ففيه تفصيل: فما كان في القرآن فإنه يلزمنا التعبد به، وماكان في الكتب السابقة نظرنا إن كان مخالفاً لشريعتنا فإننا لا نعمل به لا لأنه باطل،بل هو حق في زمنه ،ولكننا لا يلزمنا العما به،لأنه نُسخ بشريعتنا وإن وافق شريعتنا فإننا نعمل به لأن شريعتنا أقرته وشرعته،ومالم يكن في شرعنا خلافه ولا وفاقه فإن العلماء قد اختلفوا في ذلك فمنهم من قال: هو شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرع لنا. فالذين قالوا : إنه شرع لنا استدلوا بمثل قوله تعالى: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[(4) واستدلوا كذلك بأن ماسبق من الشرائع لولا أن فيه فائدة لكان ذكره نوعاً من العبث، والراجح: أننا نعمل به. مثال ما يخالف شريعتنا كقوله تعالى: ]وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو مااختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون[(1). فاليهود حرم الله عليهم كل ذي ظفر مثل الإبل، وكذلك كل ذي رجل غير مشقوقة أي مالها أصابع ولا فرق بعضها من بعض فهو حرام عليهم، ومن البقر والغنم حرم الله عليهم شحومهما إلا ماحملت ظهورهما، أو الحوايا أو مااختلط بعظم. فهذا منسوخ بشريعتنا، فإن الله تعالى قد أحل لنا ذلك. وأما مثال ما وافق شريعتنا فكثير مثل قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون[(2) ومثل قوله تعالى الذي أشرنا إليه سابقاً: ]أم لم ينبأ بما في صحف موسى . وإبراهيم الذي وفى . ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإنسان إلا ماسعى...[(3) وأمثلة ذلك كثيرة. وأما مالم يرد شرعنا بخلافه فمثاله الأخذ بقرينة الحال: كحكم سليمان بين المرأتين المتنازعتين، حيث دعا بالسكين ليشقه بينهما فوافقت إحداهما وامتنعت الأخرى فحكم به للتي امتنعت مع أنها هي الصغرى، لأن امتناعها دليل على أنها أمه، وهذا لم يرد مثله في شرعنا بعينه، وإن كان قد ورد مايدل على اعتبار القرائن من حيث الجملة. ولكن القول الراجح فيه: أنه شرع لنا، وأننا نعمل به لما ذكرنا من الدليل من القرآن.
............................ | |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: رد: مهم جدا لطلبة العلم وكيفية الرد على الفرق الضالة والمبتدعة. 2011-09-09, 21:12 | |
|
الركن الرابع: الإيمان بالرسل الإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان الستة، والرسل ينقسمون إلى قسمين رسل من البشر، ورسل من الملائكة قال الله تعالى:]إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين[(4) والمراد بالرسول هنا جبريل وهو رسول ملكي، وقال تعالى: ]إنه لقول رسول كريم. وماهو بقول شاعر[(5) والمراد به محمد، صلى الله عليه وسلم ، وهو رسول بشري لكن المراد بقولنا: الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، المراد بالرسل هنا البشر لأن الرسول الملكي داخل في قولنا: ]وملائكته[. الرسول البشري تعريفه عند جمهور أهل العلم: "أنه من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه" وأول الرسل نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ وآخرهم محمد ، صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى: ]إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده[(1) والدليل على أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتمهم قوله تعالى: ]ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين[(2). فإن قلت: هل آدم رسولٌ أم لا؟ فالجواب: أنه ليس برسول لكنه نبي، كما جاء في الحديث الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه أن النبي، صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم: أنبي هو؟ قال: "نعم نبي مكلم". ولكنه ليس برسول والدليل قله تعالى:]كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين[(3) وقوله، صلى الله عليه وسلم ، في حديث الشفاعة: "إن الناس يذهبون إلى نوح فيقولون: أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض". وهذا نص صريح بأن نوحاً أول الرسل. كيف نؤمن بالرسل؟ الإيمان بالرسل أن نؤمن بأسماء من علمنا اسمه منهم، وأن نؤمن بكل خبر أخبروا به، وأن نؤمن بأنهم صادقون فيما قالوه من الرسالة، أما من لم نعرف اسمه منهم فنؤمن به إجمالاً، فإننا لم نعرف أسماء جميع الرسل لقوله تعالى: ]منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك[(4). وأحكام الرسل السابقة من ناحية إلزامنا بها، أو لا، فالقول فيها كالقول في أحكام الكتب. فإن قال قائل: كيف نجمع بين كون محمد، صلى الله عليه وسلم ، خاتم النبيين وبين ما صح به الحديث من نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان؟ فالجواب: أن عيسى ـ عليه السلام لا ينزل على أنه رسول، لأن رسالته التي بعث بها كانت سابقة قبل رسالة النبي، صلى الله عليه وسلم ، ولأنه إذا نزل فلا يأتي بشرع من عنده، ولكنه يجدد شرع النبي، صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يزول الإشكال بين كون محمد، صلى الله عليه وسلم ، خاتم النبيين وبين نزول عيسى بن مريم آخر الزمان.
............................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر: 2011-09-09, 21:13 | |
|
الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر: وسمي يوماً آخراً لأنه لا يوم بعده، فإن للإنسان أحوالاً أولها العدم لقوله تعالى: ]هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً[(1) ثم يصير حملاً، ثم يكون عاملاً في الدنيا، وحاله في الدنيا أكمل من حاله أثناء الحمل، ثم ينتقل إلى الحال الرابعة وهي: البرزخ وحاله في البرزخ أكمل من حاله في الدنيا، ثم ينتقل إلى الحال الخامسة وهي اليوم الآخر وحاله في هذه المرحلة أكمل المراحل السابقة. وبيان ذلك أن الإنسان في بطن أمه لاشك أنه ناقص عن حاله في الدنيا قال تعالى: ]والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون[(2) فصار بعد خروجه من بطن أمه عنده العلم، والسمع، والبصر، والعمل، وأحواله في هذه الدنيا ليست على الصفاء دائماً بل فيها صفاء وكدر، وتعب وراحة، وجور وعدل، وصالح وفاسد، يقول الشاعر: فيوم علينا ويوم لنا ويومٌ نساء ويومٌ نسر وهي بلا شك حينئذ تكون حياة ناقصة، لأنه ما من لذة فيها إلا وهي منغصة كما قال الشاعر: لاطيب للعيش مادامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم فأنت الآن شاب وقوي لكن سيأتيك أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم، فحياة الدنيا منغصة ولهذا سميت الدنيا وهي من الدناءة، ومن الدنو أيضاً، فهي دنيئة بالنسبة للآخرة، وهي أيضاً دنية لنقصانها عن مرتبة الآخرة، وهي دنيا لأنها سابقة للآخرة فهي أدنى منها. وحاله في البرزخ أكمل حالاً منه في الدنيا، لأن حاله مستقرة، فإذا كان من أهل الخير فهو منعم في قبره، يفتح له في قبره مد البصر، ويفرش من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة، ولا ينال هذا في الدنيا، أما في الآخرة فيعطى الكمال المطلق بالنسبة للإنسان حياة كاملة لايمكن أن تنسب إليها حياة الدنيا بأي وجه من الوجوه وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى بعد ذلك. كيف نؤمن باليوم الآخر؟ الإيمان باليوم الآخر أن نؤمن بأن الناس سوف يبعثون ويجازون على أعمالهم، وأن نؤمن بكل ماجاء في الكتاب والسنة من أوصاف ذلك اليوم وقد وصف الله تعالى ذلك اليوم بأوصاف عظيمة ولنأخذ منها وصفاً واحداً قال تعالى: ]يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم.يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد[(1) وأوصاف هذا اليوم الدالة على هوله وعظمته كثيرة في الكتاب والسنة. ولا يقتصر الإيمان باليوم الآخر على الإيمان بهذا اليوم الذي يكون بعد البعث، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في عقيدته الواسطية: (من الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ماأخبر به النبي، صلى الله عليه وسلم ، مما يكون بعد الموت). أولاً: فتنة القبر: وأول شيء يكون بعد الموت فتنة القبر فإن الناس يفتنون ـ أي يختبرون ـ في قبورهم فما من إنسان يموت سواء دفن في الأرض، أو رمي في البر، أو أكلته السباع، أو ذرته الرياح، إلا ويفتن هذه الفتنة فيسأل عن ثلاثة أمور: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟. فأما المؤمن فيقول : ربي الله ـ جعلنا الله منهم ـ وديني الإسلام، ونبيي محمد، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، وحينئذ يفسح له في قبره مد البصر، ويفرش له فراش من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، وهذه الحال بلا شك أكمل من حال الدنيا. أما إذا كان كافراً أو منافقاً فإنه إذا سئل من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. وتأمل ماذا تدل عليه كلمة "هاه هاه"؟ فإنها تدل على أن هذا المجيب كأنه يتذكر شيئاً يبحث عنه ولكن يعجز عن استحضاره، وكون الإنسان يتذكر شيئاً ويعجز عن استحضاره أشد ألماً من كونه لايدري عنه بالكلية، فلو سئلت عن شيء وأنت لاتعلم عنه فقلت : لا أدري. فهذا نقص بلا شك لكن لا يوجب حسرة، لكن لو أنت سئلت عن شيء وكنت تعلمه ثم عجزت عنه فإن ذلك حسرة، ولهذا يقول : "هاه هاه" كأنه يتذكر شيئاً "لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته"، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين ـ (الإنس والجن)ـ، ولو سمعها لصعق، وقد ورد في صفة هذه المرزبة أنه لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها ـ والعياذ بالله ـ. هذه الفتنة يجب الإيمان بها، لأن الإيمان بها من الإيمان باليوم الآخر فإن قلت: كيف يكون الإيمان بها من الإيمان باليوم الآخر وهي في الدنيا؟ فالجواب: أن الإنسان إذا مات فقد قامت قيامته. ثانياً: عذاب القبر ونعيمه: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيم القبر ودليل ذلك قوله تعالى: ]كذلك يجزي الله المتقين . الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون[(1) ومحل الدلالة قوله: ]الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون[(2) حال توفّيهم: ]سلام عليكم ادخلوا الجنة[(3) وهم وإن كانوا لم يدخلوا الجنة التي عرضها السموات والأرض لكن دخلوا القبر الذي فيه نعيم الجنة. وقال تعالى أيضاً: ]فلولا إذا بلغت الحلقوم* وأنتم حينئذ تنظرون* ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون* فلولا إن كنتم غير مدينين *ترجعونها إن كنتم صادقين* فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنة نعيم[(4) وهذا يكون إذا بلغت الروح الحلقوم وهذا هو نعيم القبر بل إن الإنسان يبشر بالنعيم قبل أن تخرج روحه يقال لروحه: اخرجي أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتفرح الروح بذلك وتخرج خروجاً سهلاً ميسراً. وأما السنة فإن النبي، صلى الله عليه وسلم ، أخبر في أحاديث كثيرة بما يدل على أن الإنسان ينعم في قبره، وقد أشرنا إلى شيء منها. وأما عذاب القبر فثابت أيضاً في الكتاب والسنة، فمن القرآن قال الله ـ تبارك وتعالى ـ في آل فرعون: ]النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب[(5) فقوله: ]يعرضون عليها غدواً وعشياً[(6) هذا قبل أن تقوم الساعة: ]ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب[(7) وقال تعالى: ]ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم[( وكان هؤلاء يشحون بأنفسهم لا يخرجونها، لأنهم يبشرون بالعذاب ـ والعياذ بالله ـ، فترتد الأرواح لاتريد أن تخرج من أجسادها هرباً مما أنذرت به: ]أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون[(9). ووجه الدلالة من قوله: ]اليوم تجزون[(1) لأن (أل) هنا للعهد الحضوري لقوله تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم[(2) أي اليوم الحاضر وهو يوم وفاة هؤلاء الظالمين. وقال تعالى: ]وأما إن كان من المكذبين الضالين . فنزل من حميم . وتصلية حجيم[(3). وكلنا نقول في الصلاة: (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر)، فعذاب القبر ثابت بالقرآن، والسنة، والإيمان به من الإيمان باليوم الآخر.
............................ | |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: هل العذاب في القبر على البدن أو على الروح؟ 2011-09-09, 21:14 | |
|
هل العذاب في القبر على البدن أو على الروح؟ العذاب في القبر على الروح في الأصل وربما يتصل بالبدن، ومع ذلك فإن كونه على الروح لا يعني أن البدن لا يناله منه شيء بل لابد أن يناله من هذا العذاب أو النعيم شيء وإن كان غير مباشر. واعلم أن العذاب والنعيم في القبر على عكس العذاب أو النعيم في الدنيا، فإن العذاب أو النعيم في الدنيا على البدن، وتتأثر به الروح، وفي البرزخ يكون النعيم أو العذاب على الروح، ويتأثر به البدن. فلو قال لنا قائل: كيف تقولون: إن القبر يضيق على الإنسان الكافر حتى تختلف أضلاعه، ونحن لو كشفنا القبر لوجدنا أن القبر لم يتغير، وأن الجسد لم يتغير أيضاً؟ فالجواب على هذا أن نقول: إن عذاب القبر على الروح في الأصل، وليس أمراً محسوساً على البدن، فلو كان أمراً محسوساً على البدن، لم يكن من الإيمان بالغيب، ولم يكن منه فائدة، لكنه من الأمور الغيبية المتعلقة بالأرواح، والإنسان قد يرى في المنام وهو نائم على فراشه أنه قائم، وذاهب وراجع، وضارب ومضروب، وربما يرى وهو على فراشه نائم أنه قد سافر إلى العمرة، وطاف وسعى، وحلق أو قصر، ورجع إلى بلده، وجسمه على الفراش لم يتغير. فأحوال الروح ليست كأحوال البدن.
...................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: ثالثاً: البعث: 2011-09-09, 21:15 | |
|
ثالثاً: البعث: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر البعث فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يبعث الأجساد يوم القيامة حفاة عراة غرلاً. حفاة ليس عليهم نعال ولا خفاف: أي ليس عليهم لباس رجل، عراة: ليس عليهم لباس بدن، غرلاً: أي غير مختونين. وفي بعض الأحاديث: (بهماً) أي ليس معهم مال، بل كل واحد وعمله. والبعث هنا إعادة وليس تجديداً، كما قال تعالى: ]قال من يحي العظام وهي رميم . قل يحييها الذي أنشأها أول مرة[(1) وقال تعالى: ]كما بدأنا أول خلق نعيده[(2)، ولأنه لو كان خلقاً جديداً لكان الجسد الذي يعمل السيئات في الدنيا سالماً من العذاب، ويؤتى بجسد جديد فيعذب، وهذا خلاف العدل، فالنص والعقل قد دل على أن البعث ليس تجديداً ولكنه إعادة، ولكن يبقى النظر كيف تكون إعادة، والإنسان ربما يموت، فتأكله السباع، ويتحول من اللحم إلى الدم في الحيوان الآكل وروث وما أشبه ذلك؟. فيقال: إن الله على كل شيء قدير يقول للشيء : كن فيكون، فيأمر الله هذه الأجساد التي تفرقت وأكلت وطارت بها الرياح أن تعود فتعود، وهذا ينبني على القاعدة التي سبق أن قررناها وهي: "أن الواجب على الإنسان في الأمور الخبرية الغيبية هو التسليم". وقد أوردت عائشة ـ رضي الله عنها ـ إشكالاً على قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس حفاة عراة غرلًا فقالت: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك". فإن في ذلك اليوم لاينظر أحد إلى أحد لأن الله تعالىيقول: ]يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه[(3) حتى الإنسان يذهل عن أنسابه وأقاربه ]فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون[(4). رابعاً: دنو الشمس من الخلائق: ومن الإيمان باليوم الآخر أن نؤمن بأن الشمس تدنو من الخلائق بمقدار ميل، والميل يحتمل أن يكون ميل المكحلة، ويحتمل أنه المسافة من الأرض، وسواء كان ميل المكحلة أو ميل المسافة فإن الشمس تكون قريبة من الرؤوس. فإن قلت: كيف يمكن هذا ونحن الآن حسب ما نعلم أن هذه الشمس لو دنت عما كانت عليه الآن بمقدار شبر واحد لأحرقت الأرض، فكيف يمكن أن تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل؟ فالجواب: أن وظيفة المؤمن ـ وهذه قاعدة يجب أن تبنى عليها عقيدتنا ـ فيما ورد من أخبار الغيب القبول والتسليم وألا يسأل عن كيف؟ ولم؟ لأن هذا أمر فوق ما تتصوره أنت فالواجب عليك أن تقبل وتسلم وتقول: آمنا وصدقنا بأن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل. وما زاد على ذلك من الإيرادات فهو من البدع، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن استواء الله كيف استوى؟ قال : السؤال عنه بدعة، هكذا أيضاً كل أمور الغيب السؤال عنها بدعة وموقف الإنسان منها القبول والتسليم. أما الجواب الثاني بالنسبة لدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة فإننا نقول: إن الأجسام تبعث يوم القيامة لا على الصفة التي هي عليها في الدنيا من النقص وعدم التحمل بل هي تبعث بعثاً كاملاً تاماً، ولهذا يقف الناس يوم القيامة يوماً مقداره خمسون ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون، وهذا أمر لا يحتمل في الدنيا فتدنو الشمس منهم وأجسامهم قد أعطيت من القوة ما يتحمل دنوها ـ ويشهد لهذا ما ذكرناه من الوقوف خمسين ألف سنة لا يحتاجون إلى طعام ولا شراب، وأن أهل الجنة ينظر الواحد منهم إلى ملكه مسيرة ألف عام ينظر أقصاه كما ينظر أدناه ولا يمكن هذا في الدنيا، فالأجسام يوم القيامة لها شأن آخر غير شأنها في هذه الدنيا. خامساً: محاسبة الخلائق على أعمالهم: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن بأن الخلائق يحاسبون على أعمالهم، وقد سمى الله يوم القيامة يوم الحساب، لأنه اليوم الذي يحاسب الإنسان فيه على عمله. ولكن هل الحساب حساب مناقشة كما يحاسب التاجر تاجراً آخر بالفلس والهللة؟ الجواب: لا، لكنه حساب فضل وإحسان وكرم بالنسبة للمؤمن فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يحاسب المؤمن فيخلو به ويضع كنفه عليه أي ستره ويقرره بذنوبه فيقول له: عملت كذا في يوم كذا حتى يقر ويعترف، فإذا أقر واعترف قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ له: "إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم". وكلنا لا يخلو من الذنوب في هذه الدنيا ذنوب باطنة تتعلق بالقلوب، وذنوب ظاهرة تتعلق بالأبدان، لكن لايراها الناس، فقد تشاهد الرجل ينظر بعينه نظراً محرماً وأنت تظنه ينظر نظراً حلالاً ماتدري ولهذا قال الله تعالى: ]يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور[(1) خائنة الأعين أمر يعمل بالحس، لكن لا يعلمه أحد، من يعلم أن هذه العين تنظر نظراً محرماً؟" ]وما تخفي الصدور[(2).هذا باطن فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم". أما الكفار والعياذ بالله فإنهم لا يحاسبون هذا الحساب بل يقررون بأعمالهم ويقول : عملتم كذا وكذا فإذا أنكروا تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم، وأرجلهم بما كانوا يعملون، حتى الجلود فإنها تشهد فيقولون لجلودهم : ]لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه رجعون* وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون* وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين* فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين[(2)يقرر الكفار بأعمالهم ويخزون بها والعياذ بالله وينادى على رؤوس الأشهاد: ]هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين[(3) فانظر الفرق بين حساب المؤمن وحساب الكفار. هل ينجو من الحساب أحدٌ؟ الجواب: نعم ينجو منه عالم لا يحصيهم إلا الله قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن أمته عرضت عليه وإن منهم سبعين ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب وهم الذي لا يرقون ولا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". سادساً: الوزن: مما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: الوزن قال الله تعالى:]والوزن يومئذ الحق[(4) وقال تعالى: ]ونضع الموازين القسط ليوم القيامة[(5) فتوزن الأعمال يوم القيامة بميزان له كفتان توضع في إحداهما الحسنات وفي الأخرى السيئات، والذي يوزن في ظاهر النصوص العمل قال الله تعالى: ]فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره[(6) وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". فيوضع هذا الميزان للخلائق وتوزن فيه الأعمال. ولكن هنا أسئلة على الميزان: أولاً: كيف توزن الأعمال وهي أوصاف للعاملين وحركات وأفعال؟ فالجواب: أن القاعدة في ذلك كما أسلفنا أن علينا أن نسلم ونقبل ولا حاجة لأن نقول : كيف؟ ولم؟ ومع ذلك فإن العلماء ـ رحمهم الله ـ قالوا في جواب هذا السؤال: إن الأعمال تقلب أعياناً فيكون لها جسم يوضع في الكفة فيرجح أو يخف، وضربوا لذلك مثلاً بما صح به الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم: "أن الموت يجعل يوم القيامة على صورة كبش فينادى أهل الجنة يا أهل الجنة فيطلعون ويشرئبون وينادى يا أهل النار: فيطلعون ويشرئبون ما الذي حدث؟ فيؤتى بالموت على صورة كبش فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، فيذبح الموت بين الجنة والنار ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار: خلود فلا موت". ونحن نعلم جميعاً أن الموت صفة، ولكن الله تعالى يجعله عيناً قائمة بنفسه وهكذا الأعمال. ثانياً: هل الميزان واحد أم متعدد؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين وذلك لأن النصوص جاءت بالنسبة للميزان مرة بالإفراد ومرة بالجمع مثل قوله تعالى: ]ونضع الموازين القسط[(1)، وكذلك في قوله: ]فمن ثقلت موازينه[(2). وأفرد في مثل قوله، صلى الله عليه وسلم: "ثقيلتان في الميزان" فقال بعض العلماء: إن الميزان واحد، وإنه جمع باعتبار الموزون أو باعتبار الأمم فهذا الميزان توزن به أعمال أمة محمد، وأعمال أمة موسى، وأعمال أمة عيسى، وهكذا فجمع الميزان باعتبار تعدد الأمم، والذين قالوا : إنه متعدد بذاته قالوا: لأن هذا هو الأصل في التعدد ومن الجائز أن الله تعالى يجعل لكل أمة ميزاناً، أو يجعل للفرائض ميزاناً، وللنوافل ميزاناً. والذي يظهر والله أعلم أن المراد أن الميزان واحد، لكنه متعدد باعتبار الموزون. سابعاً: نشر الكتب: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر نشر الدواوين وهي الكتب، تنشر بين الناس فيختلف الناس في أخذ هذه الكتب، منهم من يأخذها باليمين، ومنهم من يأخذها بالشمال، وقد أشار الله إلى ذلك في سورة الحاقة فقال: ]فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه* إني ظننت أني ملاق حسابيه* فهو في عيشة راضية* في جنة عالية * قطوفها دانية* كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية* وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه* ولم أدر ماحسابيه[(3) فالمؤمن يقول للناس : خذوا كتابي إقرؤوه مستبشراً مسروراً به، والكافر والعياذ بالله يتحسر ويقول: ]ياليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه[ (4) . هذا الكتاب قد كتب فيه ما يعمله الإنسان كما قال تعالى: ]كلا بل تكذبون بالدين. وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين[(1)، ويقال للإنسان: ]اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً[(2). قال بعض العلماء: والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك. فيجب علينا أن نؤمن بهذه الكتب، وأنها توزع يوم القيامة عن اليمين وعن الشمال، لكن في سورة الانشقاق يقول الله تعالى: ]وأما من أوتي كتابه وراء ظهره[(3)، فكيف يمكن الجمع بين قوله: ]كتابه بشماله[(4)، وقوله: ]كتابه وراء ظهره[(5)؟ فالجواب: أنه يأخذه بشماله، لكن تخلع الشمال إلى الخلف من وراء ظهره، والجزاء من جنس العمل، فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره أعطي كتابه يوم القيامة من وراء ظهره جزاءً وفاقاً. ثامناً: الحوض: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر أيضاً الحوض. حوض النبي، صلى الله عليه وسلم ـ جعلنا الله ـ ممن يشرب منه ـ هذا الحوض حوض واسع، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء في كثرتها وحسنها، وماءه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، ومن يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ويستمد الحوض ماؤه من الكوثر، وهو نهر أعطيه النبي، صلى الله عليه وسلم ، في الجنة يصب منه ميزابان على الحوض فيبقى الحوض دائماً مملوءاً، ويرده المؤمنون من أمة الرسول، صلى الله عليه وسلم ، ويشربون منه، ويكون هذا الحوض في عرصات يوم القيامة عند شدة الحر وتعب الناس وهمهم وغمهم، فيشربون من هذا الحوض الذي لا يظمؤون بعد الشرب منه أبداً. تاسعاً: الشفاعة: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر كذلك الشفاعة، وهي نوعان: أحدهما: خاص بالنبي، صلى الله عليه وسلم. والثاني: عام له ولسائر النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. أما الخاص بالنبي، صلى الله عليه وسلم:
............................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: الشفاعة العظمى 2011-09-09, 21:16 | |
|
أما الخاص بالنبي، صلى الله عليه وسلم: فهو أولاً: الشفاعة العظمى التي تكون للقضاء بين الناس، وذلك أن الناس يوم القيامة يلحقهم من الكرب، والهم، والغم، مالا يطيقون، لأنهم يبقون خمسين ألف سنة، والشمس من فوق رؤوسهم، والعرق قد يلجم بعضهم، فيجدون هماً، وغماً، وكرباً، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله - عز وجل - فينجيهم من ذلك، فيلهمهم الله - عز وجل - أن يذهبوا إلى آدم الذي هو أبو البشر فيأتون إليه ويسألونه الشفاعة، ولكنه يعتذر بأنه عصى ربه في أكله من الشجرة التي حرم الله عليه أن يأكل منها. ولكن قد يقول قائل: إن أكله من الشجرة ذنب قد تاب منه وبعد أن تاب اجتباه الله وهداه قال الله تعالى: ]وعصى آدم ربه فغوى . ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى[(1). فالجواب: نعم الأمر كذلك، وآدم بعد الخطيئة خير منه قبلها، لأن الله تعالى قال بعد أن حصلت الخطيئة والتوبة: ]اجتباه ربه[(2) فجعله من المجتبين المصطفين، ولكنه يعتذر ـ أي من الشفاعة ـ بأكله من الشجرة، لأن مقام الشفاعة مقام عظيم يحتاج أن يكون الشافع فيه نزيهاً من كل شيء، لأنه شافع يريد أن يتوسط لغيره، فإذا كان مذنباً كيف يمكن أن يكون شافعاً؟ فيذهب الناس إلى نوح ويطلبون منه الشفاعة، ولكنه يعتذر بأنه سأل ماليس له به علم، وكان قد سأل الله تعالى أن ينجي ابنه الكافر من الغرق: ]قال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين* قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين[(3) فيعتذر. فيأتون إلى إبراهيم خليل الرحمن، عليه الصلاة والسلام، فيعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات، وهو ليس في الواقع كذباً ، ولكنه تورية، لكن التورية ظاهرها الحقيقة والمراد خلاف الظاهر فمن أجل هذا تشبه الكذب من بعض الوجوه، ولكمال أدب إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، مع الله هاب أن يشفع وقد كذب هذه الكذبات في ذات الله ـ عز وجل ـ. فيأتون إلى موسى بعد ذلك، فيعتذر بأنه قتل نفساً لم يؤمر بقتلها، والنفس التي قد أشار إلى أنه قتلها بغير حق: أنه خرج عليه الصلاة والسلام، فوجد رجلين يقتتلان هذا من شيعته، وهذا من عدوه، أحدهما من بني إسرائيل، والثاني من الأقباط، فاستغاثه الذي من شيعته ـ وهو الإسرائيلي ـ على الذي من عدوه وهو القبطي، وكان موسى عليه الصلاة والسلام رجلاً شديداً، فوكز القبطي، فقضى عليه، فهذه هي النفس التي قتلها قبل أن يؤمر بقتلها، وهذا جعله يعتذر عن الشفاعة للناس. ثم يأتون إلي عيسي ، عليه الصلاة والسلام ـ وهو الذي ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، رسول – فلا يعتذر، لكنه يعترف بفضل النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول لهم : اذهبوا إلي محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتون إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فيطلبون منه الشفاعة، فيشفع إلى الله عز وجل، فينزل الله عز وجل للقضاء بين العباد ، وهذه الشفاعة تسمى العظمى ، وهي من المقام المحمود الذي قال الله فيه : ]عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً[(1) . فيشفع النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الله فينزل الله ـ تعالى ـ للقضاء بين عباده ويريحهم من هذا الموقف. ثانياً: من الشفاعة الخاصة بالرسول، صلى الله عليه وسلم ، أن يشفع لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فأهل الجنة إذا عبروا الصراط ووصلوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقاً، فيشفع النبي، صلى الله عليه وسلم ، إلى الله بأن يفتح لهم باب الجنة وقد أشار الله إلى هذه الشفاعة فقال تعالى: ]وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها[(2)، ولم يقل: حتى إذا جاؤوها فتحت، كما قال في أهل النار: ]وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت[(3)، أما في أهل الجنة فقال : ]حتى إذا جاءوها وفتحت[ لأنها لا تفتح إلا بعد الشفاعة. أما الذي تكون فيه ـ الشفاعة ـ عامة ، له ولسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهما شفاعتان: الأولى: الشفاعة في أهل النار من المؤمنين أن يخرجوا من النار. والثانية: الشفاعة فيمن استحق النار من المؤمنين أن لا يدخل النار. شروط الشفاعة: ولابد للشفاعة من شروط ثلاثة: أولها: رضا الله عن الشافع، ثانيها: رضاه عن المشفوع له. ثالثها: إذاًه. ودليلها قوله تعالى: ]وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يإذاً الله لمن يشاء ويرضى[(4) وقوله تعالى: ]ولا يشفعون إلا لمن ارتضى[(5) وقوله تعالى: ]من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذاًه[(1)، وقوله تعالى: ]يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من إذاً له الرحمن ورضي له قولاً[(2). ولا تنفع هذه الشفاعة المشركين، لأن الله تعالىلا يرضاها، ويشترط رضا الله عن المشفوع له، ولهذا أصنام المشركين التي يتعلقون بها، ويقولون :إنها شفعاؤنا عند الله لا تنفعهم ولا تشفع لهم، بل لا يزدادون بها إلا حسرة، لأن الله تعالى يقول: ]إنكم وماتعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون[(3)، فتحصب آلهتهم في النار فيزدادون والعياذ بالله غماً إلى غمهم. عاشراً: الصراط:
..................................زز
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: الصراط: 2011-09-09, 21:18 | |
|
عاشراً: الصراط: ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: الصراط، وهو عبارة عن جسر ممدود على النار يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، منهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، على حسب أعمالهم كل من كان أسرع في الدنيا لقبول الحق والعمل به كان على الصراط أسرع عبوراً، وكلما كان الإنسان أبطأ لقول الحق والعمل به كان على الصراط أبطأ، فيمر أهل الجنة على هذا الصراط فيعبرون، أما الكفار فلا يمرون عليه، لأنه يصار بهم إلى النار والعياذ بالله، فيأتونها ورداً عطاشاً.
.........................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: هل الجنة والنار تفنيان أم تبقيان؟ 2011-09-09, 21:20 | |
|
الحادي عشر: دخول الجنة أو النار: وهي آخر المراحل حيث يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، والسؤال: هل الجنة والنار موجودتان الآن؟ فالجواب: نعم، موجودتان ودليل ذلك من الكتاب والسنة: أما الكتاب فقال الله تعالى في النار: ]واتقوا النار التي أعدت للكافرين[(4) والإعداد بمعنى التهيئة، وفي الجنة قال الله تعالى: ]وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين[(5)، والإعداد أيضاً التهيئة. وأما السنة فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة كسوف الشمس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قام يصلي فعرضت عليه الجنة والنار، وشاهد الجنة حتى هم أن يتناول منها عنقوداً، ثم بدا له ألا يفعل، عليه الصلاة والسلام، وشاهد النار ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار والعياذ بالله ـ يعني أمعاءه ـ قد اندلقت من بطنه، فهو يجرها والعياذ بالله في نار جنهم ، لأن هذا الرجل أول من أدخل الشرك على العرب ، فكان له كفل من العذاب الذي يصيب من بعده ، ورأى امرأة تعذب في النار في هرة حبستها حتى ماتت ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ، ورأى فيها صاحب المحجن ـ والمحجن: عصا محنية الرأس ـ وصاحب المحجن سارق يسرق الحجاج بمحجنه، فإن فطن له الحاج قال: هذا المحجن انشبك بغير إرادتي، وإن لم يفطن له أخذه ومشى، فرأى النبي، صلى الله عليه وسلم ، في النار هذا الرجل يعذب بمحجنه، والعياذ بالله. فدل ذلك على أن الجنة والنار موجودتان الآن. هل الجنة والنار تفنيان أم تبقيان؟ الجنة والنار تبقيان، فالجنة تبقى أبد الآبدين، والنار تبقى كذلك أبد الآبدين، ودليل ذلك من القرآن كثير: بالنسبة للجنة قال الله - تعالى - :]إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه[(1). وفي النار ذكر الله التأبيد في ثلاث آيات من القرآن: الأولى: في سورة النساء: ]إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً* إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً[(2). الثانية: في سورة الأحزاب قال الله تعالى: ]إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً . خالدين فيها أبداً[(3). والثالثة: في سورة الجن وهي قوله تعالى: ]ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً [(4). وبعد هذا النص الصريح في القرآن، يتبين أن ما قيل من أن النار تفنى قول ضعيف جداً لا يعول عليه، لأنه لا يمكن أن نعول على قول صرح القرآن بخلافه، بل ولا يحل لنا ذلك. فالنار والجنة موجودتان الآن، وتبقيان، ولا تفنيان أبداً.
.................................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: الإيمان بالقدر خيره وشره 2011-09-09, 21:22 | |
|
الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره الإيمان بالقدر خيره وشره هو الركن السادس، وهو محل عراك بين العلماء وآرائهم، ومحل عراك بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء. الإيمان بالقدر معناه أن تؤمن بأن الله - عز وجل - قد قدر كل شيء يكون إلى مالا نهاية له، وأنه قدره عن علم، ولهذا قال العلماء: إن مراتب الإيمان بالقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: العلم ومعناها: أن تؤمن بأن الله تعالىعالم بكل شيء جملةً وتفصيلاً فيما تعلق بفعله الذي يفعله - عز وجل - بنفسه كالخلق، والإحياء، والإماتة، وإنزال المطر وغير ذلك، أو يتعلق بفعل المخلوقين، كأقوال الإنسان، وأفعاله، بل حتى أفعال الحيوان كلها معلومة لله - عز وجل - قبل وقوعها، وأدلة هذه المرتبة كثيرة منها قوله تعالى: ]وكان الله بكل شيء عليماً[(1)، ومنها قوله: ]الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً[(2)، ومنها قوله تعالى: ]وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين[(3). ونتكلم عن قوله: ]ويعلم ما في البر والبحر...[(4) كلمة ]ما[ اسم موصول، وكل اسم موصول فهو مفيد للعموم، فكل شيء في البر الله ـ سبحانه وتعالى ـ يعلمه، وكذلك كل شيء في البحر فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يعلمه. ]وما تسقط من ورقة إلا يعلمها[(5) أي ورقة في أي شجرة في أي مكان في رأس جبل، أو في بطن وادٍ، أو في روضة من بقاع الأرض، كل شجرة يسقط منها ورقة فالله تعالى يعلم هذه الورقة، وكل ورقة تنبت فهو عالم بها من باب أولى. وقوله: ]وما تسقط من ورقة[(6)، في هذه الجملة حرف زائد وهو ]من[، فإنه زائد في الإعراب، لكنه يزيد في المعنى: وهو تأكيد العموم المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي، لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، فإذا جاءت "من" زادته توكيداً. ]ولا حبةٍ في ظلمات الأرض[(1)، أي حبة، سواء كانت كبيرة، أو صغيرة في ظلمات الأرض إلا يعلمها الله ـ عز وجل ـ، وكلمة ]ظلمات[ جمع تدل على أن للأرض ظلمات الأرض: وهي ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الطين، وظلمة السحاب، وظلمة المطر، وظلمة الغبار، فهذه ظلمات ست وقد يكون هناك ظلمات أخرى لم نعلمها ، وهذه الظلمات لا تحول بين الله - عز وجل - وبين هذه الحبة، بل هو ـ سبحانه وتعالى ـ يعلمها ويراها ـ جلا وعلا ـ. ] ولا رطب ولا يابس [(2) ، وما من شيء إلا وهو إما رطب وإما يابس : ] إلا في كتاب مبين [(3)، وهو اللوح المحفوظ، وهذا الكتاب إنما كان عن علم من الله ـ عز وجل ـ. وعلم الله تعالى بعمل الإنسان موجود في كتاب الله - عز وجل – قال- تعالىـ: ]أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون[(4)، فهو يعلم السر والنجوى، والسر: هو ما يسره الإنسان في قلبه، ويحدث به نفسه، وأما النجوى: فهي ما يتناجى به مع صاحبه. وكل هذا معلوم لله ـ عز وجل ـ. وهذا العلم من الله - عز وجل - لم يسبقه جهل، ولا يلحقه نسيان، ولهذا لما قال فرعون لموسى: ]فما بال القرون الأولى . قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى[(5)، ]لا يضل [ ، أي يجهل ، ]ولا ينسى[ ما كان معلوما ً، بينما علم البشر محفوف بهاتين الآفتين ، جهل سابق، ونسيان لاحق ، ]والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً[(6). المرتبة الثانية: الكتابة ومعناها: أن تؤمن بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، كل شيء في الوجود، أو يكون إلى العدم فإنه مكتوب قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. فالله عز وجل لما خلق القلم، قال له: اكتب قال : رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ودليل هذه المرتبة من الكتاب قوله تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[(1)، وقوله تعالى: ]ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير[(2). قال أهل العلم: والكتابة لها أنواع: النوع الأول: الكتابة العامة وهي الكتابة في اللوح المحفوظ. النوع الثاني: الكتابة العمرية (نسبة إلى العمر) وهي التي تكون على الإنسان وهو في بطن أمه فإن الإنسان كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: حدثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق فقال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"، لأن الكتاب الأول هو العمدة. ولكن نحن إذا قرأنا هذا الحديث، فإنه لا ينبغي أن ننسى أحاديث أخرى تبشر الإنسان بالخير، صحيح أن هذا الحديث مروع أن يقول القائل: كيف يعمل الإنسان بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يخذل ـ والعياذ بالله ـ فيعمل بعمل أهل النار؟ لكن هناك ولله الحمد نصوصاً أخرى، تفرج عن المؤمن كربته فيما يتعلق بهذا الحديث، من ذلك: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا : يا رسول الله أفلا نتكل على الكتاب وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق الله له ، فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة"، ثم تلا قوله تعالى: ]فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى . وكذب . بالحسنى فسنيسره للعسرى[. إذاً هذه بشارة من الرسول، عليه الصلاة والسلام، للإنسان أنه إذا عمل بعمل أهل السعادة فهو دليل على أنه كتب من أهل السعادة فليستبشر . وروى البخاري - رحمه الله - في صحيحه أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، كان في غزاة، وكان معهم رجل شجاع مقدام، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم ، ذات يوم: "إن هذا من أهل النار" مع شجاعته وإقدامه، فعظم ذلك على الصحابة وشق عليهم، فقال أحد الصحابة: والله لألزمن هذا، فلزمه فأصاب هذا الرجل الشجاع سهم من العدو فغضب، ثم وضع سيفه على صدره واتكأ عليه، حتى خرج من ظهره، فقتل نفسه، فجاء الرجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم ، فقال له: أشهد أنك رسول قال: وماذاك ؟ قال: إن الرجل الذي قلت لنا إنه من أهل النار فعل كيت وكيت، ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار". أسأل الله أن يخلص سريرتي وسرائركم، فالسريرة لها شأن عظيم في توجيه الإنسان، فالقلب هو الموجه للإنسان، وهو الأصل، لذلك يجب أن نلاحظ القلوب، وأن نمحصها ونغسلها من درنها، فقد يكون فيها عرق خبيث، يتظاهر الإنسان بعمل جوارحه بالصلاح، لكن في القلب هذا العرق الفاسد الذي يطيح به في الهاوية في النهاية. يقول بعض السلف: (ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص)، الذي ليس بشيء عند كثير منا هذا يحتاج إلى جهاد عظيم، لو كان في الإنسان شيء يسير من الرياء لم يكن مخلصاً تمام الإخلاص وربما يكون هذا الشيء اليسير من الرياء في قلبه ـ ربما يكون ـ سبباً لهلاكه في آخر لحظة. ذكر ابن القيم - رحمه الله - آثار الذنوب وعقوبتها، ومن جملة ماذكر أن رجلاً منهمكاً في الربا، جعل أهله يلقنونه الشهادة، فكلما قالوا له: قل: لا إله إلا الله. قال: العشرة احد عشر، لأنه ليس في قلبه غير ذلك من المعاملات المحرمة التي رانت على قلبه حتى طبع عليه في آخر لحظة ـ والعياذ بالله ـ . ولما حضرت الوفاة الإمام أحمد - رحمه الله - وناهيك به علماً وعبادة وورعاً وزهداً لما حضرته الوفاة سمعوه إذا غشي عليه يقول: (بعد بعد)، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله ما قولك: (بعد بعد) قال : رأيت الشيطان يعض على أنامله يقول: (فتني يا أحمد) ، فأقول له: (بعد بعد) أي: لم أفتك ما دامت الروح في البدن، فالإنسان على خطر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها". نعود إلى ما سبق من الكتابة العمرية، فالإنسان يكتب عليه وهو في بطن أمه، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. النوع الثالث: الكتابة الحوليةـ أي عند كل حول: وهي التي تكون ليلة القدر، فإن ليلة القدر يكتب فيها ما يكون في السنة كما قال الله تعالى: ]إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين* فيها يفرق كل أمر حكيم[(1)، ]يفرق[ أي يبين ويفصل، وقال ـ عز وجل ـ: ]إنا أنزلناه في ليلة القدر[(2)، أي مقدر فيها ما يكون في تلك السنة. النوع الرابع: كتابة مستمرة كل يوم وهي كتابة الأعمال فإن الإنسان لا يعمل عملاً إلا كتب، إما له وإما عليه، كما قال تعالى: ]كلا بل تكذبون بالدين . وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين . يعلمون ما تفعلون[(3)، وقال تعالى: ]ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد* إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد[(4)، لكن هذه الكتابة تختلف عن الكتابات السابقة، فالكتابات السابقة كتابة لما يفعل، وهذه الكتابة كتابة لما فعل، ليكون الجزاء عليه. النوع الخامس: كتابة الملائكة التي تكون عند أبواب المساجد يوم الجمعة، فإن أبواب المساجد يوم الجمعة يكون عليها ملائكة يكتبون الأول فالأول، فمن راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة، ومن جاء بعد مجيء الإمام فليس له أجر التقدم، لأن الإمام سبقه، وإذا حضر الإمام طويت الصحف، وحضرت الملائكة يستمعون الذكر. المرتبة الثالثة: المشيئة ومعناها: أن تؤمن بأن كل كائن وجوداً أو عدماً فهو بمشيئة الله، وقد أجمع المسلمون على هذا في الجملة فكل المسلمين يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فكل شيء واقع بمشيئة الله، أما ماكان بفعل الله فهو بمشيئته لا إشكال فيه، كالخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وكذلك ما كان من فعل المخلوق فهو أيضاً بمشيئة الله، ودليل ذلك من الكتاب قوله تعالى: ]ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد[(5)، والاقتتال فعل العبد فجعله الله - عز وجل - بمشيئته وقال تعالى: ]وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً شياطين الإنسان والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه[(1)، وقال تعالىفي آية أخرى: ]ولو شاء الله ما فعلوه[(2). وقال تعالى: ]لمن شاء منكم أن يستقيم . وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[(3)، إذاً فأفعالنا واقعة بمشيئة الله. أما الدليل العقلي فأن يقال: هل الخلق ملك لله؟ فالجواب: نعم. هل يمكن أن يكون في ملك الله مالا يريد؟ الجواب: لا يمكن، فما دام الشيء ملكه فلن يكون في ملكه مالا يريد إذاً فكل ما كان في ملكه فهو بإرادته وبمشيئته ولا يكون في ملكه مالا يشاء أبداً، إذ لو كان في ملكه مالا يشاء لكان ملكه ناقصاً، وكان في ملكه ما يقع بدون اختياره وبدون علمه. المرتبة الرابعة: الخلق ومعناها: الإيمان بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق كل شيء، فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء ودليل ذلك قال الله تعالى:]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً . الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً[(4)، وقال تعالى: ]الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل[(5)، وقال تعالى: ]بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم[(6)، وقال تعالى: ]إنا كل شيء خلقناه بقدر[(7). والآيات في ذلك واضحة كثيرة: أن كل شيء مخلوق لله - عز وجل - حتى فعل الإنسان مخلوق لله ـ تعالى وإن كان باختياره وإرادته لكنه مخلوق لله ـ تعالى ـ، وذلك أن فعل الإنسان ناشئ من أمرين هما: الإرادة الجازمة، والقدرة التامة. مثال ذلك: أمامك حجر زنته عشرون كيلو، فقلت لك: احمل هذا الحجر فقلت: لا أريد حمله، فهنا انعدمت إرادتك على حمل الحجر، قلت لك ثانية: احمل هذا الحجر، فقلت: نعم سمعاً وطاعة، ثم أردت أن تحمله فعجزت عن حمله، فهذا أنت لم تحمله لعدم القدرة، قلت لك ثالثة: احمل هذا الحجر فقلت : سمعاً وطاعة وحملته فوق رأسك فهنا حملته لقدرتك وإرادتك. فأفعالنا كلها التي نفعلها ناشئة عن إرادة جازمة، وقدرة تامة، والذي خلق هذه القدرة والإرادة هو الله ـ عز وجل ـ، فلو أن الله جعلك مشلولاً ما قدرت، ولو صرف همتك عن الفعل ما فعلت. ولهذا قيل لأعرابي: بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم. فأحياناً يكون الإنسان عنده عزيمة أكيدة على الشيء، ثم تنتقض هذه العزيمة بدون أي سبب. وأحياناً يخرج الإنسان يريد الذهاب لأحد أصدقائه، ثم ينصرف ولا يذهب بدون أي سبب، لكن الله - عز وجل - يلقي في قلبه انصراف الهمة فيرجع. لهذا نقول: إن أفعال الإنسان مخلوقة لله، لأنها ناشئة عن إرادة جازمة وقدرة تامة، وخالق هذه الإرادة، والقدرة هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ. ووجه كون الله هو الخالق لهذه الإرادة والقدرة، لأن الإرادة والقدرة وصفان للمريد والقادر خالقه هو الله، وخالق الموصوف خالق للوصف، وبهذا اتضح الأمر وانجلى بأن أفعال الإنسان مخلوقة لله ـ عز وجل ـ. وها هنا بحوث في باب القدر، لأن هذا الباب كما قلنا في أول الكلام عليه باب شائك مشكل: المبحث الأول: لله - عز وجل - مشيئة، وله إرادة ومحبة قال الله تعالى: ]ويفعل الله ما يشاء[(1). وقال تعالى: ] الله يفعل ما يريد[(2). أولاً": هل المشيئة والإرادة شيء واحد؟ أم يفترقان؟ الجواب: بل يفترقان. ثانياً: هل الإرادة والمحبة شيء واحد، يعني أن الله إذا أحب شيئاً أراده، وإذا أراد شيئاً فقد أحبه؟ أو يفترقان؟ الجواب: بل يفترقان. فعندنا ثلاثة أشياء: المشيئة، والمحبة، والإرادة، وهذه الثلاثة ليست بمعنى واحد، بل تختلف. المشيئة: تتعلق بالأمور الكونية سواء كانت محبوبة لله أو مكروهة له، أي إن الله تعالى قد يشاء الشيء وهو لا يحبه، وقد يشاء الشيء وهو يحبه. فالمعاصي كائنة بمشيئة الله، وهو لا يحبها، والفساد في الأرض كائن بمشيئة الله، والله لا يحب الفساد، والكفر كائن بمشيئة الله، والله لا يحب الكفر. فالمشيئة إذاً تتعلق بالأمور الكونية فيشاء الله كوناً مالا يحبه وما يحبه. المحبة: تتعلق بالأمور الشرعية، فلا تكون إلا فيما يبيحه الله، فالمعاصي غير محبوبة لله، وأما الطاعات فهي محبوبة له سبحانه، سواءً حصلت أم لم تحصل. الإرادة: ولها جانبان: جانب تكون فيه بمعنى المشيئة، وجانب تكون فيه بمعنى المحبة، فإذا كانت بمعنى المحبة فهي الإرادة الشرعية، وإذا كانت بمعنى المشيئة فهي الإرادة الكونية. وإذا كانت الإرادة شرعية وهي التي تكون بمعنى المحبة، فإنه لا يلزم منها وقوع المراد مثل قوله تعالى: ]والله يريد أن يتوب عليكم[، فهذه إرادة شرعية بمعنى المحبة، لأنها لو كانت بمعنى المشيئة لوقعت التوبة على جميع الناس، ونحن نشاهد أن من الناس من يتوب ومنهم من لا يتوب. وأما الإرادة الكونية التي بمعنى المشيئة فيلزم فيها وقوع المراد، فإذا أراد الله شيئاً كوناً وقع ولابد وهذه الإرادة كالمشيئة، تكون فيما يحبه وفيما لا يحبه، لكن إذا أراد الله شيئاً بهذا المعنى وقع ولا بد،مثل قوله تعالى:]ولكن الله يفعل ما يريد[(1).فإنه كقوله:]ويفعل الله مايشاء[(2)، سواء بسواء ومثل قوله: ]إن كان الله يريد أن يغويكم[(3)، فإنها بمعنى يشاء أن يغويكم، وليست بمعنى يحب أن يغويكم، لأن الله تعالى لا يحب أن يغوي عباده. ويمكن أن تتفق الإرادتان ـ الشرعية والكونية ـ في حادث واحد، مثل إيمان أبي بكر فهذا مراد لله شرعاً وكوناً، لأن الله يحبه فهو مراد له شرعاً، ولأنه وقع فهو مراد له كوناً. وتنتفي الإرادتان مثل (كفر المؤمن) فهو غير مراد لله شرعاً، لأنه يكرهه، وغير مراد لله كوناً، لأنه لم يقع. ومثال الإرادة الكونية دون الشرعية مثل (كفر أبي جهل وأبي لهب)، فقد تعلق بكفرهما الإرادة الكونية، لأنه وقع الكفر دون الشرعية، لأن الله لا يحب الكافرين. ومثال الإرادة الشرعية دون الكونية، مثل (إيمان فرعون) فهو مراد شرعاً، لأن الله - عز وجل - أرسل إليه موسى ودعاه، لكن الله لم يرده كوناً، فلذلك لم يقع ولم يؤمن فرعون.
.........................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: كراهية الله سبحانه للكفر مع إرادته له: 2011-09-09, 21:24 | |
|
المبحث الثاني: كراهية الله سبحانه للكفر مع إرادته له: إذا كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ يكره الكفر فكيف يريده مع أنه لا أحد يُكْرِه الله ـ عز وجل ـ؟ فالجواب: أن المراد نوعان: النوع الأول: مراد لذاته: وهو المحبوب، فالشيء المحبوب يريده من يريده لذاته كالإيمان، فالإيمان مراد لله كوناً وشرعاً، لأنه مراد لذاته. النوع الثاني: المراد لغيره بمعنى أن الله تعالى يقدره لا لأنه يحبه، ولكن لما يترتب عليه من المصالح فهو مراد لغيره، فيكون من هذه الناحية مشتملاً على الحكمة وليس فيه إكراه. مثال ذلك: الكفر مكروه لله - عز وجل - ولكن الله يقدره على العباد، لأنه لولا الكفر لم يتميز المؤمن من الكافر، ولم يكن المؤمن محلاً للثناء، لأن كل الناس مؤمنون، وأيضاً لو لم يقع الكفر فلم يكن هناك جهاد فمن يجاهد المؤمن إذاً، ولو لم يقع الكفر ما عرف المؤمن قدر نعمة الله عليه بالإسلام، ولو لم يقع الكفر، وكان الناس كلهم مسلمين ما كان للإسلام فضل، ولا ظهر له فضل، ولو لم يقع الكفر لكان خلق النار عبثاً وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله: ]ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين[(1)، فتبين أن المراد الكوني ـ الذي يكون مكروهاً لله ـ يكون مراداً لغيره. وأضرب مثلاً: ]ولله المثل الأعلى[(2)، برجل له ابن يحبه حباً جماً، ولو سقطت عليه شرارة من نار، لكانت كالتي سقطت على قلب أبيه، من محبته له، فمرض هذا الابن فعرض على الأطباء، فقال الطبيب: لابد من كيه بمسمار من نار، فقال الأب: وهو كذلك، فهذا الكي للابن ليس محبوباً للأب لذاته بل محبوباً لغيره، فتجد هذا الأب أراد وبكل طمأنينة وراحة وانشراح صدر أراد أن يكوي ابنه بمسمار من نار، مع أنه لو سقطت على الابن شرارة لكانت ساقطة على قلب أبيه. فعلم الآن أن المكروه قد يفعل، لا لذاته ولكن لغيره، فهكذا الكفر والمعاصي والفساد، يريدها الرب - عز وجل - لما تتضمنه من المصالح، فهي مرادة لغيرها لا لذاتها
............................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: قضاء الله والرضا به: 2011-09-09, 21:25 | |
|
المبحث الثالث: قضاء الله والرضا به: نحن نؤمن بأن الله سبحانه يقضي كل شيء، فنؤمن بقضاء الله أيّاً كان هذا القضاء، ويجب علينا أن نؤمن به ونرضى به أيا كان، لكن هل يجب علينا أن نرضى بالمقضي؟ أو لا نرضى؟. نقول: هذا أقسام، فالمقضي نوعان: الأول: مقضي شرعاً. والثاني: مقضي كوناً. فالمقضي شرعاً: يجب علينا أن نرضى به، مثل أن قضى الله علينا بوجوب الصلاة، فيجب أن نؤمن بهذا القضاء، وأن نسلم لوجوب الصلاة، ومثل: أن قضى الله بتحريم الزنى، فيجب علينا أن نؤمن بهذا المقضي، وأن الزنى محرم، ومثل أن قضى الله بحل البيع فيجب علينا أن نرضى بذلك وأن نؤمن بأن البيع حلال، ومثل: أن قضى الله بتحريم الربا، فيجب علينا أن نؤمن بهذا، وأن نستسلم لتحريم الربا. فالخط العريض لهذا المسألة أن القضاء الشرعي يجب الرضا به، والتسليم به ، لأن: ]ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون[(1). وأما الثاني فهو القضاء الكوني: أي ما يقضي به الله كوناً ـ فإن كان محبوباً للنفس، ملائماً للطبع، فالرضا به من طبيعة الإنسان وفطرته، كما لو قضى الله ـ سبحانه وتعالى ـ للإنسان بعلم فإنه يرضى به، وكذلك لو قضى الله سبحانه للإنسان بمال فإنه يرضى به، وكذلك لو قضى بولد فإنه يرضى به. وإما أن يكون المقضي كوناً غير ملائم للإنسان، ولا موافق لطبيعته مثل المرض، الفقر، الجهل، فقدان الأولاد، أو ما أشبه ذلك، فهذا اختلف العلماء فيه: فمنهم من قال: يجب الرضا. ومنهم من قال يستحب الرضا. والصحيح: أن الرضا به مستحب. وأحوال الإنسان عند هذا النوع من القضاء وهو القضاء الذي لا يلائم الطبع ويكون مكروهاً للإنسان أحواله عنده أربع: السخط، والصبر، والرضا، والشكر. أولاً : السخط: وهو محرم كما لو أصيب رجل بمصيبة وهي تلف المال، فأخذ يتسخط من قضاء الله وقدره وصار يخمش وجهه، ويشق ثوبه، ويجد في نفسه كراهة لتدبير الله عز وجل، فهذا محرم، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم، النائحة والمستمعة وقال: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية". هل هذا الفعل مع كونه محرماً، ومن كبائر الذنوب هل يبرد من حرارة المصيبة؟ أبداً لا يبرد من حرارة المصيبة، بل يزيدها، ويبدأ الإنسان يتسخط ويتحسر ولا يستفيد شيئاً، لأن هذا القضاء الذي قضاه الله ـ عز وجل ـ، لابد أن يقع مهما كان، يعني لا تقدر أنك لو لم تفعل كذا لم يكن كذا فهذا تقدير وهمي من الشيطان، فهذا المقدر لابد أن يكون، ولهذا قال النبي، عليه الصلاة والسلام: "ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك". فلابد أن يقع كما أراد الله ـ عز وجل ـ، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم :"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء ـ أي بعد أن تحرص على ما ينفعك، وتستعين بالله ـ إن أصابك شيء لا تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا فإن (لو) تفتح عمل الشيطان". فلو أن إنساناً خرج للنزهة بسيارته ـ التي هي من أحسن السيارات ـ فأصيب بحادث وتكسرت السيارة فبدأ يقول : لو أني ما خرجت لهذه النزهة مانكسرت السيارة ، ويندم نفسه، ويلوم نفسه، فهل ينفعه هذا؟ أبداً لا ينفع، لأن هذا كتب وسيجري الأمر بما كتب مهما كان. ثانياً: الصبر: يتألم الإنسان من المصيبة جداً ويحزن، ولكنه يصبر، لا ينطق بلسانه، ولا يفعل بجوارحه، قابض على قلبه، موقفه أنه قال: "اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها". "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فحكم الصبر هنا الوجوب، فيجب على الإنسان أن يصبر على المصيبة، وألا يحدث قولاً محرماً، ولا فعلاً محرماً. ثالثاً: الرضا: تصيبه المصيبة فيرضى بقضاء الله، والفرق بين الرضا والصبر، أن الراضي لم يتألم قلبه بذلك أبداً، فهو يسير مع القضاء "إن إصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له"، ولا يرى الفرق بين هذا وهذا بالنسبة لتقبله لما قدره الله ـ عز وجل ـ، أي إن الراضي تكون المصيبة وعدمها عنده سواء. هذه المسألة يقول بعض العلماء: إنها واجبة، لكن جمهور أهل العلم على أنها ليست بواجبة، بل مستحبة، فهذه لاشك أنها أكمل حالاً من الصبر، وأما أن نلزم الناس ونقول : يجب عليكم أن تكون المصيبة وعدمها عندكم سواء، فهذا صعب ولا أحد يتحمله، فالصبر يستطيع الإنسان أن يصبر، ولكن الرضا يعجز أن يرضى. رابعاً: الشكر: وهذه قد يستغربها الإنسان ، فكيف يمكن للإنسان أن يصاب بمصيبة فيشكر الله ، وهل هذا إلا مناف لطبيعة البشر؟ ولكن يكون هذا إذا عرف الإنسان قدر ثواب المصيبة إذا صبر عليها قال تعالى : ] إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب[(1)، وقال: ]وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون .أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة[(1)، فيقول: ما أرخص الدنيا عندي، وما أقلها في عيني، إذا كنت أنال بهذه المصيبة التي صبرت عليها أنال هذه الصلوات وهذه الرحمة من الله - عز وجل - وهذا الأجر الذي أوفاه بغير حساب ، فيشكر الله على هذه النعمة ويرى أن هذه من نعمة الله عليه، لأن كل الدنيا زائلة وفانية، والأجر، والصلوات، والرحمة باقية، فيشكر الله على هذه المصيبة ـ والشكر هنا على المصيبة مستحب وليس بواجب، لأنه أعلى من الرضا ـ أما الشكر على النعم فهو واجب. فهذه هي مراتب الإنسان بالنسبة للمقضي كوناً مما يخالف الطبيعة ولا يلازم رغبة الإنسان. وهنا مسألة: إذا قال قائل: ما تقولون في الرضا بالنسبة لما يفعله الإنسان من الأمور الشرعية كما لو زنى إنسان، أو سرق، فهل ترضون بزناه وسرقته؟. فالجواب: أن فيها نظرين: الأول باعتبار أن الله قدرها وأوجدها، فهي من هذه الناحية قضاء كوني يجب علينا أن نرضى به، فلا نقول : لماذا جعل الله الزاني يزني، وجعل السارق يسرق، فليس لنا أن نعترض. أما بالنسبة لفعل العبد لها فلا نرضى، ولهذا فإننا نقيم عليه الحد قال تعالى: ]الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين[(2)،وفي السارق قال الله تعالى:]والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم[(3)، ومعلوم أن جلدهما، وقطع يد السارق والسارقة غير رضا، فلو كان رضا ما كنا تعرضنا لهم بالعقوبة.
....................................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: احتجاج المذنبين بالقدر: 2011-09-09, 21:27 | |
|
المبحث الرابع: احتجاج المذنبين بالقدر: نحن ذكرنا أن كل شيء قد كتبه الله، وكل شيء بمشيئة الله، وكل شيء مخلوق لله، فهل هذا الإيمان يستلزم أن يكون للعاصي حجة على معصية؟ أولا؟ كما لو أمسكنا رجلاً يعصي الله، فقلنا له : لم تفعل المعصية؟ فقال: هذا بقضاء الله وقدره، فهذا صحيح، لكن إذا جاء بهذه الكلمة ليحتج بها على معصية، فنقول: هذه الحجة باطلة، ولا حجة لك بالقدر على معصية الله ـ عز وجل ـ، ودليل ذلك قال الله تعالى: ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا[(1)، فلم يقرهم الله سبحانه على احتجاجهم والدليل على أنه لم يقرهم قوله: ]حتى ذاقوا بأسنا[، ولو كان لهم حجة في ذلك ما أذاقهم الله بأساً. ولكن سيورد علينا مورد خلاف ما قررناه ، سيقول قائل: ألم يقل الله تعالى : ]اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين . ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل [(2)، فيكف تقول : إن الله أبطل حجة الذين قالوا: ]لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا[(3) والله - عز وجل - يقول لرسوله: ]ولو شاء الله ما أشركوا[(4)؟ فالجواب: هناك فرق بين المراد في الآيتين، أما قوله: ]اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين . ولو شاء الله ما أشركوا[(5)، فهذا تسلية للرسول، صلى الله عليه وسلم ، يبين الله له أن شركهم واقع بمشيئة الله، من أجل أن يطمئن الرسول، صلى الله عليه وسلم ، ويعلم أنه إذا كان بمشيئة الله فلابد أن يقع، ويكون به الرضا. أما الآية الثانية: ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا....[(6)، فإنما أبطل الله ذلك لأنهم يريدون أن يحتجوا بالقدر على الشرك والمعصية، فهم لو احتجوا بالقدر للتسليم به مع صلاح الحال لقبلنا ذلك منهم، كما لو أنهم عندما أشركوا قالوا: هذا شيء وقع بمشيئة الله، ولكن نستغفر الله ونتوب إليه من ذلك، لقلنا: أنتم صادقون، أما أن يقولوا حين ننهاهم عن الشرك: ]لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء....[(1)، فهذا غير مقبول منهم إطلاقاً. ثانياً: ويدل على بطلان احتجاج العاصي بالقدر أيضاً قول الله تعالى حين ذكر الرسل: ]إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده[(2)، قال: ]رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[(3) ووجه الدلالة بهذه الآية أن القدر لو كان حجة لم تنقطع هذه الحجة بإرسال الرسل، لأن القدر قائم حتى بعد إرسال الرسل، فلما كان إرسال الرسل حجة تقطع عذر العاصي تبين أن القدر ليس حجة للعصاة، ولو كان القدر حجة لهم لبقي حجة لهم حتى بعد إرسال الرسل، لأن القدر لا ينقطع بإرسال الرسل. ثالثاً: ومن الأدلة على بطلان الاحتجاج بالقدر أن يقال لمن احتج بالقدر: إن أمامه الآن طريقين، طريق خير، وطريق شر، وهو قبل أن يدخل طريق الشر، هل يعلم أن الله قدر له أن يدخل طريق الشر؟ لا يعلم بلا شك، وإذا كان لا يعلم فلماذا لا يقدر أن الله قدر له طريق الخير؟! لأن الإنسان لا يعلم ما قدره الله إلا بعد أن يقع، لأن القضاء كما قال بعض العلماء: "سر مكتوم"، لا يعلم إلا بعد أن يقع ونشاهده فنقول للعاصي: أنت أقدمت على المعصية، وحين إقدامك لا تعلم أن الله قدرها لك ، فإذا كنت لا تعلم فلماذا لا تقدر أن الله قدر لك الخير فتلج باب الخير؟! رابعاً: أن نقول له: أنت في شؤون دنياك تختار الخير أم الشر؟ فسيقول: الخير، فنقول له : لماذا لا تختار في شؤون الآخرة ما هو خير؟! ومثل ذلك: إذا قلنا له : أنت الآن ستسافر إلى المدينة قال: نعم. فقلنا له: هناك طريقان طريق اليسار غير مسفلت، وفيه قطاع طريق، وأخطار عظيمة، وأما الطريق الأيمن فهو مسفلت وآمن فمن أين ستسافر؟ بالتأكيد أنه سيقول : من الأيمن، فنقول له: لماذا في أمور الدنيا تذهب إلى الأيمن الذي فيه الخير والنجاة؟! لماذا لا تذهب مع الطريق الأيسر، الذي فيه قطاع الطريق وغير معبد وتقول : هذا مقدر علي؟! فسيقول: أنا لا أعلم المقدر ولكن بنفسي أختار الطيب. فنقول: لماذا لا تختار في طريق الآخرة ما هو طيب؟! مثال آخر: إذا أمسكنا واحداً من الناس، وبدأنا نضربه ضرباً مبرحاً، وهو يصيح ونحن نقول له: هذا قضاء الله وقدره، وكلما صاح ضربناه وقلنا له: هذا قضاء الله وقدره، فهل يقبل هذه الحجة؟ بالتأكيد أنه لن يقبلها، مع أنه إذا عصى الله قال: هذا قضاء الله وقدره ولكن نحن إذا عصينا الله فيه ما يقبل أن نقول له: هذا قضاء الله وقدره، بل يقول: هذا من فعلكم أنتم، أليست هذه حجة عليه؟ ولهذا يذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -جيء إليه بسارق فأمر بقطع يده، لأن السارق يجب أن تقطع يده، فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، فوالله ما سرقت إلا بقضاء الله وقدره، فهو صادق لكن أمامه عمر فقال له رضي الله عنه: ونحن لا نقطعك إلا بقضاء الله وقدره، فأمر بقطعه بقضاء الله وقدره، فاحتج عليه عمر بما احتج به هو على عمر. فإذا قال قائل: إن لدينا حديثاً أقر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم ، الاحتجاج بالقدر وهو: أن آدم احتج هو وموسى فقال له موسى: أنت أبونا خيبتنا أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال له آدم: أتلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى، فحج آدم موسى"، أي غلبه بالحجة مع أن آدم احتج بقضاء الله وقدره. فهل هذا الحديث إلا إقرار للاحتجاج بالقدر؟. فالجواب أن نقول: إن هذا ليس احتجاجاً بالقضاء والقدر على فعل العبد ومعصية العبد، لكنه احتجاج بالقدر على المصيبة الناتجة من فعله، فهو من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، ولهذا قال: "خيبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة". ولم يقل: عصيت ربك فأخرجت من الجنة. إذاً احتج آدم بالقدر على الخروج من الجنة الذي يعتبر مصيبة، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به. أرأيت لو أنك سافرت سفراً، وحصل لك حادث، وقال لك إنسان: لماذا تسافر، لو أنك بقيت في بيتك ما حصل لك شيء؟ فبماذا ستجيبه؟ الجواب: أنك ستقول له: هذا قضاء الله وقدره، أنا ما خرجت لأجل أن أصاب بالحادث، وإنما خرجت لمصلحة فأصبت بالحادث، كذلك آدم عليه الصلاة والسلام، هل عصى الله لأجل أن يخرجه من الجنة؟ لا فالمصيبة إذاً التي حصلت له مجرد قضاء وقدر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجاً صحيحاً، ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى فحج آدم موسى". مثال آخر: ما تقولون في رجل أصاب ذنباً وندم على هذا الذنب وتاب منه، وجاء رجل من إخوانه يقول له: يا فلان كيف يقع منك هذا الشيء؟ فقال: هذا قضاء الله وقدره. فهل يصح احتجاجه هذا أولا؟ نعم يصح، لأنه تاب فهو لم يحتج بالقدر ليمضي في معصيته، لكنه نادم ومتأسف. ونظير ذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلى فاطمة بنت محمد رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها، فوجدهما نائمين، فكأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، لامهما لماذا لم يقوما؟ فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله فإن شاء الله أمسكها، وإن شاء أرسلها،فخرج النبي، صلى الله عليه وسلم، يضرب على فخذه وهو يقول: ]وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً[(1) فهل الرسول قبل حجته؟ لا، لكن الرسول، صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ، يبين أن هذا من الجدل، لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم ، يعلم أن الأنفس بيد الله، لكن يريد أن يكون الإنسان حازماً، فيحرص على أن يقوم ويصلي. على كل حال تبين لنا أن الاحتجاج بالقدر على المصائب جائز، وكذلك الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة منها جائز، وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريراً لموقف الإنسان واستمراراً فيها فغير جائز.
..............................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: هل الانسان مسير أم مخير؟ 2011-09-09, 21:29 | |
|
المبحث الخامس: هل الانسان مسير أم مخير؟ شاعت كلمة بين الناس في هذا الزمن المتأخر وهي قولة: هل الإنسان مسير أم مخير؟ الأفعال التي يفعلها الإنسان يكون مخيراً، فالإنسان مخير، فبإمكانه أن يأكل، ويشرب، ولهذا بعض الناس إذا سمع أذان الفجر قام إلى الماء ليشرب، وذلك باختياره، وكذلك إذا جاء الإنسان النوم فإنه يذهب إلى فراشه لينام باختياره، وإذا سمع أذان المغرب، والتمر أمامه والماء، فإنه يأكل باختياره، وهكذا جميع الأفعال تجد أن الإنسان فيها مخير، ولولا ذلك لكان عقوبة العاصي ظلماً، فكيف يعاقب الإنسان على شيء ليس فيه اختيار له، ولولا ذلك لكان ثواب المطيع عبثاً، فكيف يثاب الإنسان على شيء لا اختيار له فيه؟! وهل هذا إلا من باب العبث؟. إذاً فالإنسان مخير، ولكن ما يقع من فعل منه فهو بتقدير الله، لأن هناك سلطة فوق سلطته ولكن الله لا يجبره، فله الخيار ويفعل باختياره. ولهذا إذا وقع الفعل من غير إرادة من الإنسان لا ينسب إليه، قال تعالى في أصحاب الكهف: ]ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال[(1)، فنسب الفعل ]نقلبهم[ إليه سبحانه، لأن هؤلاء نوم فلا اختيار لهم، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه". فنسب الإطعام والسقي إلى الله، لأن الناسي ما فعل الشيء باختياره فلم يختر أن يفسد صومه بالأكل والشرب. الحاصل أن هذه العبارة لم أرها في كتب المتقدمين من السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا في كلام الأئمة، ولا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، أو ابن القيم أو غيرهم ممن يتكلمون، لكن حدثت هذه أخيراً، وبدؤوا يطنطنون بها، "هل الإنسان مسير أم مخير؟" ونحن نعلم أننا نفعل الأشياء باختيارنا وإرادتنا، ولا نشعر أبداً أن أحداً يكرهنا عليها ويسوقنا إليها سوقاً، بل نحن الذين نريد أن نفعل فتفعل، ونريد أن نترك فنترك. لكن كما أسلفنا أولاً في مراتب القدر فإن فعلنا ناشىء عن إرادة جازمة وقدرة تامة، وهذان الوصفان في أنفسنا، وأنفسنا مخلوقة لله، وخالق الأصل خالق للفرع. فوائد الإيمان بالقضاء والقدر: الإيمان بالقضاء والقدر له فوائد: أولاً: تكميل الإيمان بالله فإن القدر قدر الله - عز وجل - فالإيمان به من تمام الإيمان بالله ـ عز وجل ـ. ثانياً: استكمال لأركان الإيمان: لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكره ضمن الإيمان في حديث جبريل. ثالثاً: أن الإنسان يبقى مطمئناً لأنه إذا علم أن هذا من الله رضي واطمأن وعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وقد قلنا : إنه لا يمكن أن يغير الشيء عما وقع أبداً، فلا تحاول، ولا تفكر، ولا تقل : (لو)، فالذي وقع لا يمكن أن يتغير أو يتحول. رابعاً: أن هذا من تمام الإيمان بربوبية الله، وهذا يشبه الفائدة الأولى، لأن الإنسان إذا رضي بالله رباً استسلم لقضائه وقدره واطمأن إليه. خامساً: إن الإيمان بالقدر على وجه الحقيقة يكشف للإنسان حكمة الله - عز وجل - فيما يقدره من خير أو شر، ويعرف به أن وراء تفكيره وتخيلاته من هو أعظم وأعلم، ولهذا كثيراً ما نفعل الشيء أو كثيراً ما يقع الشيء فنكرهه وهو خير لنا. فأحياناً يشاهد الإنسان رأي العين أن الله يعسر عليه أمراً يريده، فإذا حصل ما حصل وجد أن الخير في عدم حدوث ذلك الشيء. وما أكثر ما نسمع أن فلاناً قد حجز في الطائرة الفلانية على أنه سيسافر، ثم يأتي فيجد أن الطائرة قد أقلعت، وفاته السفر، فإذا بالطائرة يحصل عليها حادث. فهو عندما حضر أولاً ليركب فيها ووجد أنها أقلعت يحزن، لكن عندما يقع الحادث يعرف أن هذا خير له، ولهذا قال الله تعالى: ]كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون[(1) . بقي علينا في حديث عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه -سؤال جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم ، عن الإحسان، والساعة حيث قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ما الإحسان ؟ قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه: فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فقال أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟". أولاً: الإحسان: الإحسان: ضد الإساءة، وهو أن يبذل الإنسان المعروف ويكف الأذى، فيبذل المعروف لعباد الله في ماله، وعلمه، وجاهه، وبدنه. فأما المال فأن ينفق، ويتصدق، ويزكي، وأفضل أنواع الإحسان بالمال الزكاة، لأن الزكاة أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ولا يتم إسلام المرء إلا بها، وهي أحب النفقات إلى الله ـ عز وجل ـ، ويلي ذلك، ما يجب على الإنسان من نفقة لزوجته، وأمه، وأبيه، وذريته، وإخوانه، وبني إخوته، وأخواته وأعمامه، وعماته، وخالاته إلى آخر هذا، ثم الصدقة على المساكين وغيرهم، ممن هم أهل للصدقة كطلاب العلم مثلاً. وأما بذل المعروف في الجاه فهو أن الناس مراتب، منهم من له جاه عند ذوي السلطان فيبذل الإنسان جاهه، يأتيه رجل فيطلب منه الشفاعة إلى ذي سلطان يشفع له عنده، إما بدفع ضرر عنه، أو بجلب خير له. وأما بعلمه فأن يبذل علمه لعباد الله، تعليماً في الحلقات والمجالس العامة والخاصة، حتى لو كنت في مجلس قهوة، فإن من الخير والإحسان أن تعلم الناس، ولو كنت في مجلس عام فمن الخير أن تعلم الناس، ولكن استعمل الحكمة في هذا الباب، فلا تثقل على الناس حيث كلما جلست مجلساً جعلت تعظهم وتتحدث إليهم، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، كان يتخولهم بالموعظة، ولا يكثر، لأن النفوس تسأم وتمل فإذا ملت كلت وضعفت، وربما تكره الخير لكثرة من يقوم ويتكلم. وأما الإحسان إلى الناس بالبدن فقد قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة". فهذا رجل تعينه تحمل متاعه معه، أو تدله على طريق أو ما أشبه ذلك فكل ذلك من الإحسان، هذا بالنسبة للإحسان إلى عباد الله. وأما بالنسبة للإحسان في عبادة الله: فأن تعبد الله كأنك تراه، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم ، وهذه العبادة أي عبادة الإنسان ربه كأنه يراه عبادة طلب وشوق، وعبادة الطلب والشوق يجد الإنسان من نفسه حاثاً عليها، لأنه يطلب هذا الذي يحبه، فهو يعبده كأنه يراه، فيقصده وينيب إليه ويتقرب إليه ـ سبحانه وتعالى ـ، "فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وهذه عبادة الهرب والخوف، ولهذا كانت هذه المرتبة ثانية في الإحسان، إذا لم تكن تعبد الله - عز وجل - كأنك تراه وتطلبه، وتحث النفس للوصول إليه فاعبده كأنه هو الذي يراك، فتعبده عبادة خائف منه، هارب من عذابه وعقابه، وهذه الدرجة عند أهل العبادة أدنى من الدرجة الأولى. وعبادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ هي كما قال ابن القيم - رحمه الله -: وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما ركنان فالعبادة مبنية على هذين الأمرين: غاية الحب، وغاية الذل، ففي الحب الطلب، وفي الذل الخوف والهرب، فهذا هو الإحسان في عبادة الله ـ عز وجل ـ. وإذا كان الإنسان يعبد الله على هذا الوجه، فإنه سوف يكون مخلصاً لله ـ عز وجل ـ، لا يريد بعبادته رياء ولا سمعة، ولا مدحاً عند الناس، وسواء أطلع الناس عليه أم لم يطلعوا، الكل عنده سواء، وهو محسن العبادة على كل حال، بل إن من تمام الإخلاص أن يحرص الإنسان على ألا يراه الناس في عبادته، وأن تكون عبادته مع ربه سراً، إلا إذا كان في إعلان ذلك مصلحة للمسلمين أو للإسلام، مثل أن يكون رجلاً متبوعاً يقتدى به، وأحب أن يبين عبادته للناس ليأخذوا من ذلك نبراساً يسيرون عليه، أو كان هو يحب أن يظهر العبادة ليقتدي بها زملاؤه وقرناؤه وأصحابه ففي هذا خير، وهذه المصلحة التي يلتفت إليها قد تكون أفضل وأعلى من مصلحة الإخفاء، لهذا يثني الله - عز وجل - على الذين ينفقون سراً وعلانية، فإذا كان السر أصلح وأنفع للقلب وأخشع وأشد إنابة إلى الله أسروا، وإذا كان في الإعلان مصلحة للإسلام بظهور شرائعه، وللمسلمين يقتدون بهذا الفاعل وهذا العامل أعلنوه. والمؤمن ينظر ما هو الأصلح، كلما كان أصلح وأنفع في العبادة فهو أكمل وأفضل. الساعة وعلامتها: ثم قال جبريل للنبي، صلى الله عليه وسلم: "أخبرني عن الساعة متى تكون؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟". فالمسؤول هو الرسول، صلى الله عليه وسلم ، والسائل جبريل عليه السلام، وكلنا يعلم أن هذين الرسولين أفضل الرسل فجبريل أفضل الملائكة، ومحمد أفضل البشر، بل أفضل الخلق على الإطلاق، عليه الصلاة والسلام، وكلاهما لا يدري متى تقوم الساعة، لأنه لا يدري متى تقوم الساعة إلا الرب - عز وجل - قال تعالى: ]يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله[(1)، وقال تعالى: ]يسألونك عن الساعة أيان مرساها . فيم أنت من ذكراها . إلى ربك منتهاها[(2)، فكأن النبين صلى الله عليه وسلم ، يقول لجبريل: إذا كنت لا تعلمها فأنا أيضاً لا أعلمها، وليس المسؤول بأعلم من السائل، وإذا كانت خفية عليك فهي أيضاً خفية علي، فلا يعلمها إلا الله، قال: "فأخبرني عن أماراتها". أي علاماتها وأشراطها، كما قال تعالى: ]فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها[(3). وأشراط الساعة هي العلامات الدالة على قربها، وقد قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أشراط مضت وانتهت. القسم الثاني: أشراط لم تزل تتجدد وهي وسط . القسم الثالث: أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة. فمن الأشراط السابقة المتقدمة: بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم ، فإن بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم ، وكونه خاتم النبيين دليل على قرب الساعة، ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى". أي إنهما متقاربان. وأما الأشراط التي تتجدد وهي صغيرة، فمثل فتح بيت المقدس وغيرها مما جاءت به السنة عن النبي، صلى الله عليه وسلم. وأما الأشراط الكبرى التي تنتظر فمثل طلوع الشمس من مغربها، فإن هذه الشمس التي تدور الآن، إذا غابت استإذاًت من الله - عز وجل - أن تستمر في سيرها، فإن إذناً الله لها وإلا قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع وتخرج من مغربها، وحينئذ يؤمن الناس إذا رأوها، ولكن: ]لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً[(1). ثم ذكر الرسول، صلى الله عليه وسلم ، من أشراطها. أولاً: قال: "أن تلد الأمة ربتها". وفي رواية "أن تلد الأمة ربها"، ومعنى هذا أن من أشراط الساعة أن الأمة التي كانت تباع وتشترى تلد من يكونو أسياداً ومالكين، فهي كانت مملوكة في الأول، وتلد من يكونو أسياداً مالكين. ويكون معنى قوله : (ربتها) أو (ربها) إضافة إلى الجنس، لا إضافة إلى نفس الوالدة، لأن الوالدة لا يمكن أن يملكها ابنها، ولكن المراد الجنس كما في قوله تعالى: ]ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين[(2)، فالضمير في ]جعلناها[(2) يعود إلى الذي يرمى به الشهب، لكن لما كانت هذه الشهب تخرج من النجوم أضيفت إلى ضمير يعود عليها، كذلك (ربها) أو (ربتها) فالمراد الجنس أي إن الأمة تلد من يكون سيداً أو تلد الأمة من تكون سيدة. ثانياً: "وأن الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" وهذه الأوصاف تنطبق على الفقراء الذين من البادية يرعون الغنم يتطاولون في البنيان، وهذا يلزم أن أهل البادية يرجعون إلى المدن فيتطاولون في البنيان، بعدما كانوا حفاة، عراة، عالة، يرعون الشاء، وهذا وقع من زمان. وهنا سؤال: هل الرسول، صلى الله عليه وسلم ، لما قال له جبريل: أخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربها..." إلخ هل أراد الحصر؟ أم أراد التمثيل؟ فالجواب: أنه أراد التمثيل، وفي هذا دليل على أن الشيء قد يفسر ببعض أفراده على سبيل التمثيل، وإلا فهناك أشراط أخرى لم يذكرها النبي، صلى الله عليه وسلم. (فانطلق) ثم قال النبي، عليه الصلاة والسلام: "أتدرون من السائل؟ "قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". فجبريل الذي له ستمائة جناح، وقد سد الأفق، أتى على صورة رجل، ثم قال: "يعلمكم دينكم" ومع أن الذي علمنا الدين هو النبي، صلى الله عليه وسلم ، لكن النبي، صلى الله عليه وسلم ، جعل جبريل معلماً، لأنه الذي سأل وكان التعليم بسببه، فيستفاد منه أن المتسبب كالمباشر. وقد أخذ الفقهاء قاعدة من هذا في باب الجنايات قالوا: ]المتسبب كالمباشر[ ولهذا سمى النبي، صلى الله عليه وسلم ، جبريل الذي تسبب لتعليم الرسول، صلى الله عليه وسلم ، هذا الدين الذي أجاب به جبريل سماه معلماً. الثاني: أن الإنسان إذا سأل عن مسألة وهو يعلمها، لكن من أجل أن يعرفها الناس صار هو المعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبهذا انتهى شرح حديث جبريل والحمد لله رب العالمين. المصدر هو:مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين رحمه الله مجلد رقم 03 إعداد :أخوكم في الله أبو عبد الله القسنطيني الاثري
.............................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: شرح حديث مع فوائده.... لفضيلة الشيخ ابن العثيمين رحمه الله 2011-09-09, 21:31 | |
|
شرح حديث مع فوائده.... لفضيلة الشيخ ابن العثيمين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم --------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته... عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء اعرابي فبال في طائفة المسجد, فزجره الناس, فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم, فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه)) متفق عليه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ الشرح:ـ قال جاء اعرابي (( أي ساكن البادية)) والغالب على الأعراب الجهل لأتهم ليسوا في المدن والقرى حتى يعلموا ثبوت ماأنزل الله على رسوله, فهم جهال, فدخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكان به (( برحة متسع )) فتنحى طائفآ فجعل يبول فزجره الناس (( أي نهروه بشده )) ليقوم من بوله, لأن البول (( نجس )) ولأن المسجد يجب أن يطهر من النجاسة, فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاتزرموه )) (( أي لا تقطعوا عليه بوله )) دعوه يكمل فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء(( والذنوب: هو الدلو المملوؤه)) فأريق عليه (( أي صب عليه )) ثم دعا الأعرابي فقال له: (( إن المساجد لا يكون فيها شئ من الأذى والقذر وإنما هي الصلاة والتكبير وقرآءة القرآن والذكر )) وكما قال صلى الله عليه وسلم فقال الأعرابي (( اللهم أرحمني ومحمدآ ولا ترحم معنا أحدآ )) قال ذلك لأن الصحابة نهروه وزجروه ولأن محمدآ صلى الله عليه وسلم تكلم معه بهدوء وبين له الحكم الشرعي على وجه أطمأن إليه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فوائد الحديث 1- منها الجاهل لا يكلم كما يكلم العالم وإتما يرفق به لأن هذا الأعرابي ظن هذه(( البرحة )) كالبر أي مكان يبول فيه الأنسان فلابأس. 2- ومنها أي من الفوائد أن الغالب على البادية الجهل وكذلك من كان بمعنى البادية وهو الذي لا يحضر مجالس العلم ولا يختلط بالعلماء فإنه سيغلب عليه الجهل. 3- ومنها وجوب المبادرة في الإنكار المنكر لأن الصحابة بادروا في الإنكار المنكر وزجروه بشدة *(( لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم( ولم ينبه على ذلك)) 4- ومنها إنه إذا كان المنكر لا يزول إلا بما هو أعظم فإنه لا ينكر بل يسكت عليه حتى ينكر فيما بعد ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم(( نهى الصحابة أن يقطعوا بوله )) ووجه ذلك أن المفسدة حصلت بأول البول وقطعه فيه مضره على نفس الإعرابي (( وفيه أنه ربما يتلوث ثياب الإعرابي وأفخاذه وربما يتلوث ما في المسجد بقعة أكبر حيث يترشش)) فلما كان هذا المنكر وهو البول في المسجد إذا قطعه يترتب ما هو أعظم منه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء 5- ومنه أن الأرض تطهر إذا صب عليه الماء(( ولا حاجة إلى تحجيرها)) أي حفرها كما يفعل بعض الناس فيما سبق يحجرون ثم يصبون الماء.... ليس هناك حاجة بل يصب الماء على مكان النجاسة وتطهر الأرض إلا إذا كانت النجاسة لها جرب كالعذرة والدليجاء فلابد أن يزال هذا الجرب ثم بعد ذلك يغسل مكانه بصب الماء 6- ومن فوائد الحديث أن النجاسة على الأرض لا يشترط فيها عدد يكفي أن تغمر بالماء فتطهر 7- ومن فائد الحديث أن بول الآدمي نجس ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الأرض منه وكذلك وقد ورد الوعيد على من (( لا يستبرء ولا يتنزه عن بوله كما سيذكر إن شاء الله تعالى)) 8- ومن فوائد الحديث أنه يشترط للصلاة طهارة البقعة لأن المسجد مكان الصلاة ولولا أنه يشترط الطهارة له ماأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يراق على بوله شئ سجل من ماء 9- ومن فوائد الحديث أنه لا يجوز ألقاء النجاسة في المساجد وكذلك ايضآ لا يجوز إلقاء القمامة في المساجد ولو كانت طاهرة لأنه ايضآ يجب أن تتنزه المساجد عن الأذى والقذر حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( عرضت علي أجور أمتي حتى القذارة يخرجها الرجل من المسجد ) ) يعني حتى الأشياء الصغيرة يخرجها من المسجد فلها أجر 10- ومن فوائد الحديث أن تطهير المساجد فرض بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (( أريق على بوله )) وهو فرض كفاية أن قام به أحد يكفي من موظف كالفراشين أو غيره فهذا المقصود (( إلا يجب على كل من علم بالنجاسة أن يزيلها أو يخبر من يزيلها )) 11- ومن فوائد الحديث حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه, وحكمته صلى الله عليه وسلم في تعليمه ولهذا نزل هذا الجاهل في المنزلة التي يستحقها (( لم ينتهره ولم يوبخه ولم يعبس في وجه )) بل كلمه بهدوء 12- ومن فؤائد الحديث ايضآ حسن تعليمه عليه الصلاة والسلام حيث بين أن المساجد لا يصلح شئ فيها الأذى والقذر وإنها بنيت لعبادة الله عزوجل للصلاة والذكر وقرآءة القرآن أو كما قال 13- من فلائد الحديث أنه لا يفعل شئ يتعلق بالدنيا في هذه المساجدفلا يباع فيها ولا يشتري فيها ولاينشد الضالة ولا يكتسب بها في صنعه فلو كان إنسان خياطآ يخيط الثياب أو يرقعها وفعل ذلك في المساجد كان هذا حرامآ لأن المساجد لم تبنى للدنيا وإنما بنيت لما يقرب إلى الله عزوجل
مفرغ من شرح مختصر بلوغ المرام (( كتاب الطهارة ـ باب نجاسة بول الإنسان))
............................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: المصدر:مجموع فتاوى و رسالئل - المجلد الثاني 2011-09-09, 21:32 | |
|
المصدر:مجموع فتاوى و رسالئل - المجلد الثاني (345) سئل فضيلة الشيخ العثيمين – حفظه الله تعالى -: عن البدعة؟ فأجاب قائلاً : البدعة قال فيها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار". وإذا كان كذلك فإن البدع سواء كانت ابتدائية أم استمرارية يأثم من تلبس بها لأنها كما قال الرسول، عليه الصلاة والسلام : "في النار"؛ أعني أن الضلالة هذه تكون سبباً للتعذيب في النار ، وإذا كان الرسول ، عيه الصلاة والسلام حذر أمته من البدع فمقتضى ذلك أنها مفسدة محضة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، عمم ولم يخص قال: "كل بدعة ضلالة" . ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية ؛ لأن معناها أو مقتضاها أن الشريعة لم تتم،وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم. فعليه نقول: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، والواجب الحذر من البدع كلها وألا يتعبد الإنسان إلا بما شرعه الله ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، ليكون إمامه حقيقة لأن من سلك سبيل بدعة فقد جعل المبتدع إماماً له في هذه البدعة دون رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، . (346) وسئل : عن معنى البدعة وعن ضابطها؟ وهل هناك بدعة حسنة ؟ وما معنى قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة؟ فأجاب بقوله : البدعة شرعاً ضابطها" التعبد لله بما لم يشرعه الله" ، وإن شئت فقل : "التعبد لله – تعالى بما ليس عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا خلفاؤه الراشدون" فالتعريف الأول مأخوذ من قوله- تعالى-: ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله[ (1) . والتعريف الثاني مأخوذ من قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور" فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه. أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تسمى بدعة في الدين وإن كانت تسمى بدعة في اللغة ، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، . وليس في الدين بدعة حسنة أبداً ، والسنة الحسنة هي التي توافق الشرع ، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسنة أي يبدأ العمل بها، أو يبعثها بعد تركها ، أو يفعل شيئاً يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به فهذه ثلاثة أشياء: الأول : إطلاق السنة على من ابتدأ العمل ويدل له سبب الحديث فإن النبي، صلى الله عليه وسلم ، حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه ، صلى الله عليه وسلم ، وهم في حاجة وفاقة ، فحث على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم ، : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" فهذا الرجل سن سنة ابتداء عمل لا ابتداء شرع. الثاني : السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه: سنها بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده. الثالث: أن يفعل شيئاً وسيلة لأمر مشروع مثل بناء المدارس وطبع الكتب فهذا لا يتعبد بذاته ولكن لأنه وسيلة لغيره فكل هذا داخل في قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" . والله أعلم. (347) وسئل فضيلة الشيخ العثيمين : كيف يتعامل الإنسان الملتزم بالسنة مع صاحب البدعة؟ وهل يجوز هجره؟ . فأجاب بقوله : البدع تنقسم إلى قسمين : بدع مكفرة ، وبدع دون ذلك وفي كلا القسمين يجب علينا نحن أن ندعو هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق؛ ببيان الحق دون أن نهاجم ما هم عليه إلا بعد أن نعرف منهم الاستكبار عن قبول الحق لأن الله – تعالى – قال للنبي ، صلى الله عليه وسلم : ]ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم[ (1) فندعو أولاً هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته ، والحق مقبول لدى كل ذي فطرة سليمة ، فإذا وجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم ، على أن بيان باطلهم في غير مجادلتهم أمر واجب. أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة ، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره ، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره ؛ إن كان في هجره مصلحة فعلناه ، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه ، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : "لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث" فكل مؤمن وإن كان فاسقاً فإنه يحرم هجره مالم يكن في الهجر مصلحة ، فإذا كان في الهجر مصلحة هجرناه ، لأن الهجر حينئذ دواء ، أما إذا لم يكن فيه مصلحة أو كان فيه زيادة في المعصية والعتو، فإن ما لا مصلحة فيه تركه هو المصلحة. فإن قال قائل : يرد على ذلك أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، هجر كعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك؟ فالجواب : أن هذا حصل من النبي، صلى الله عليه وسلم ، وأمر الصحابة بهجرهم لأن في هجرهم فائدة عظيمة ، فقد ازدادوا تمسكاً بما هم عليه حتى إن كعب بن مالك – رضي الله عنه- جاءه كتاب من ملك غسان يقول : فيه بأنه سمع أن صاحبك – يعني الرسول، صلى الله عليه وسلم - قد جفاك وأنك لست بدار هوان ولا مذلة فالحق بنا نواسك . فقام كعب مع ما هو عليه من الضيق والشدة وأخذ الكتاب وذهب به وأحرقه في التنور . فهؤلاء حصل في هجرهم مصلحة عظيمة ، ثم النتيجة التي لا يعادلها نتيجة أن الله أنزل فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة قال- تعالى - : ] لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم . وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم[(1) الآيتان. (348) وسئل فضيلة الشيخ العثيمين : كيف نرد على أهل البدع الذين يستدلون على بدعهم بحديث "من سن في الإسلام سنة حسنة . . . . " إلخ؟ . فأجاب بقوله : نرد على هؤلاء فنقول : إن الذي قال : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" . هو الذي قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار". وعلى هذا يكون قوله: "من سن في الإسلام سنة حسنة" . منزلاً على سبب هذا الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة للقوم الذين جاؤوا من مضر في حاجة وفاقة فجاء رجل بصرة من فضة فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" . وإذا عرفنا سبب الحديث وتنزل المعنى عليه تبين أن المراد بسن السنة سن العمل بها ، وليس سن التشريع لأن التشريع لا يكون إلا لله ورسوله ، وأن معنى الحديث من سن سنة أي ابتدأ العمل بها واقتدى الناس به فيها، كان له أجرها وأجر من عمل بها ، هذا هو معنى الحديث المتعين، أو يحمل على أن المراد "من سن سنة حسنة" من فعل وسيلة يتوصل بها إلى العبادة واقتدى الناس به فيها، كتأليف الكتب، وتبويب العلم ، وبناء المدارس ، وما أشبه هذا مما يكون وسيلة لأمر مطلوب شرعاً. فإذا ابتدأ الإنسان هذه الوسيلة المؤدية للمطلوب الشرعي وهي لم ينه عنها بعينها ، كان داخلاً في هذا الحديث. ولو كان معنى الحديث أن الإنسان له أن يشرع ما شاء ، لكان الدين الإسلامي لم يكمل في حياة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولكان لكل أمة شرعة ومنهاج ، وإذا ظن هذا الذي فعل هذه البدعة أنها حسنة فظنه خاطئ لأن هذا الظن يكذبه قول الرسول ، عليه الصلاة والسلام : "كل بدعة ضلالة" .
.............................
| |
|
| |
ايهاب متولى مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 1578 نقاط : 3229 تاريخ التسجيل : 10/01/2011 العمر : 45
| موضوع: شرح الأصول الستة لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله 2011-09-09, 21:34 | |
|
شرح الأصول الستة لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
قال المؤلف شيخ الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم من أعجب العجاب ، وأكبر الآيات الدالة على قدرة المللك الغلاب ستة أصول بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظن الظانون ، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل.
الشـــرح قوله"بســم الله" ابتدأ المؤلف رحمه الله تعالى –كتاب بالبسملة إقتداء بكتاب الله عز وجل فإنه مبدوء بالبسملة، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يبدأ كتبه ورسائله بالبسملة. والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام تقديره هنا بسم الله أكتب. وقدرناه فعلاً لأن الأصل في العمل الأفعال. وقدرناه مؤخراً لفائدتين: الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله تعالى. الثانية: إفادة الحصر لأن تقديم المتعلق به يفيد الحصر. وقدرناه مناسباً لأنه أدل على المراد فلو قلنا مثلاً عندما نريد أن نقرأ كتاباً باسم الله نبتدئ ، ما يدري بماذا نبتدئ ، لكن بسم الله نقرأ أدل على المراد. قوله: "الله" لفظ الجلالة علم على الباري جل وعلا وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء حتى إنه في قوله تعالى: }كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض{ ، {سورة إبراهيم، الآيتان: 1،2}. لا نقول إن لفظ الجلالة (الله) صفة بل نقول هي عطف بيان لئلا يكون لفظ الجلالة تابعاً تبعية النعت للمنعوت ، ولهذا قال العلماء أعرف المعارف لفظ (الله) لأنه لا يدل على أحد سوى الله عز وجل. قوله: "الرحمن" الرحمن: أسم من الأسماء المختصة بالله لا يطلق على غيره، ومعناه: المتصف بالرحمة الواسعة. قوله: "الرحيـم" الرحيم: أسم يطلق على الله عز وجل وعلى غيره. ومعناه: ذو الرحمة الواصلة ، فالرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة فإذا جمعا صار المراد بالرحيم الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده كما قال الله تعالى: }يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون{ {سورة العنكبوت، الآية: 21} والمراد بالرحمن الواسع الرحمة. قوله : " ومن أعجب العجاب ، وأكبر الآيات الدالة على قدرة المللك الغلاب ستة أصول . .إلخ" شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى له عناية بالرسائل المختصرة التي يفهمها العامي وطالب العلم، ومن هذه الرسائل هذه الرسالة (ستة أصول عظيمة) وهي: الأصل الأول: الإخلاص وبيان ضده وهو الشرك. الأصل الثاني: الاجتماع في الدين والنهي عن التفرق فيه. الأصل الثالث: السمع والطاعة لولاة الأمر. الأصل الرابع: بيان العلم والعلماء ، والفقه والفقهاء ، ومن تشبه بهم وليس منهم. الأصل الخامس: بيان من هم أولياء الله. الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة. وهذه الأصول أصول مهمة جديرة بالعناية ، ونحن نستعين بالله تعالى في شرحها والتعليق عليها بما يسر الله. الأصل الأول إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له ، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة، ثم لما صار على أكثر الأمة ما صار أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين وأتباعهم.
الشرح قوله: "إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له. . . ." الإخلاص لله معناه : "أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله تعالى والتوصل إلى دار كرامته" . بأن يكون العبد مخلصاً لله تعالى في قصده مخلصاً لله تعالى في محبته ، مخلصاً لله تعالى في تعظيمه ، مخلصاً لله تعالى في ظاهره وباطنه لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله تعالى والوصول إلى دار كرامته كما قال تعالى: }قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين{ . {سورة الأنعام ، الآيتان: 162، 163} وقوله تعالى: }وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له{ ، {سورة الزمر ، الآية : 54} وقوله : }وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم{ ، {سورة البقرة، الآية: 163} وقوله : }فإلهكم إله واحد فله أسلموا{ {سورة الحج ، الآية: 34} وقد أرسل الله تعالى جميع الرسل بذلك كما قال تعالى: }وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون{ {سورة الأنبياء، الآية:25} . وكما وضح الله ذلك في كتابه كما قال المؤلف: "من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة ، فقد وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء عليه الصلاة والسلام بتحقيق التوحيد وإخلاصه وتخليصه من كل شائبة، وسد كل طريق يمكن أن يوصل إلى ثلم هذا التوحيد أو إضعافه ، حتى إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم "ما شاء الله وشئت" فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أجعلتني لله نداً بل ما شاء الله وحده"(1) فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل أن يقرن مشيئته بمشيئة الله تعالى بحرف يقتضي التسوية بينهما ، وجعل ذلك من اتخاذ الند لله عز وجل ، ومن ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الحلف بغير الله وجعل ذلك من الشرك بالله فقال صلى الله عليه وسلم : "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"(1) وذلك لأن الحلف بغير الله تعظيم للمحلوف به بما لا يستحقه إلا الله عز وجل ، وحينما قدم عليه وفد فقالوا: "يا رسول الله ، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا" قال : "يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله ورسوله ، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل"(2) وقد عقد المصنف رحمه الله لذلك باباً في كتاب التوحيد. فقال : "باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق المشرك" . وكما بين الله تعالى الإخلاص وأظهره بين ضده وهو الشرك فقال تعالى: }إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ {سورة النساء، الآية: 116} وقال تعالى: }واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً{ {سورة النساء، الآية: 36}. وقال: }ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت{ ، {سورة النحل ، الآية: 36} والآيات في ذلك كثيرة. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :"من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار"(1) رواه مسلم من حديث جابر. والشرك على نوعين:
النوع الأول: شرك أكبر مخرج عن الملة وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو مناف للتوحيد منافاة مطلقة" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله بأن يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو أن يدعو غير الله تعالى مثل أن يدعو صاحب قبر ، أو يدعو غائباً لإنقاذه من أمر لا يقدر عليه إلا الحاضر، وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم. النوع الثاني: الشرك الأصغر وهو "كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشارع وصف الشرك لكنه لا ينافي التوحيد منافاة مطلقة" مثل الحلف بغير الله فالحالف بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله تعالى من العظمة ما يماثل عظمة الله مشرك شركاً أصغر ، ومثل الرياء وهو خطير قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه؟ فقال الرياء"(1) وقد يصل الرياء إلى الشرك الأكبر، وقد مثل ابن القيم رحمه الله للشرك الأصغر بيسير الرياء وهذا يدل على أن كثير الرياء قد يصل إلى الشرك الأكبر، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى: }إن الله لا يغفر أن يشرك به{ {سورة النساء، الآية: 116}. يشمل كل شرك ولو كان أصغر ، فالواجب الحذر من الشرك مطلقاً فإن عاقبته وخيمة قال الله تعالى: }إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار{ ، {سورة المائدة، الآية: 72} فإذا حرمت الجنة على المشرك لزم أن يكون خالداً في النار أبداً ، فالمشرك بالله تعالى قد خسر الآخرة لا ريب لأنه في النار خالداً ، وخسر الدنيا لأنه قامت عليه الحجة وجاءه النذير ولكنه خسر لم يستفد من الدنيا شيئاً قال الله تعالى: }قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين{ {سورة الزمر ، الآية: 15}. فخسر نفسه لأنه لم يستفد منها شيئاً وأوردها النار وبئس الورد المورود، وخسر أهله لأنهم إن كانوا مؤمنين فهم في الجنة فلا يتمتع بهم ، وإن كانوا في النار فكذلك لأنه كلما دخلت أمة لعنت أختها. واعلم أن الشرك خفي جداً وقد خافه خليل الرحمن وأمام الحنفاء كما حكي الله عنه: }واجنبني وبني أن نعبد الأصنام{ {سورة إبراهيم، الآية: 35}. وتأمل قوله: }واجنبني{ ولم يقل: "وامنعني" لأن معنى اجنبني أي اجعلني في جانب عبادة والأصنام في جانب أي إجعلني في جانب عبادة والأصنام في جانب، وهذا أبلغ من أمنعني لأنه إذا كان في جانب وهي في جانب ، كان أعد ، وقال ابن أبي مليكة : "أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه" (1) وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحذيفة ابن اليمان: "أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من سمى من المنافقين" مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة ولكنه خاف أن يكون ذلك لما ظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعاله في حياته، فلا يأمن النفاق إلا منافق ، ولا يخاف النفاق إلا مؤمن، فعلى العبد أن يحرص على الإخلاص وأن يجاهد نفسه عليه قال بعض السلف "ما جاهدت على الإخلاص" فالشرك أمره صعب جداً ليس بالهين ولكن الله ييسر الإخلاص على العبد وذلك بأن يجعل الله نصب عينيه فيقصد بعمله وجه الله. الأصل الثاني أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه، فيبين الله هذا بياناً شافياً تفهمه العوام ، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا، وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه ، ويزيده وضوحاً ما وردت به ألسنة من العجب العجاب في ذلك، ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدين ، وصار الاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون.
الشــرح قوله: "أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه . . إلخ" الأصل الثاني من الأصول التي ساقها الشيخ-رحمه الله تعالى-الاجتماع في الدين والنهي عن التفرق فيه ، وهذا الأصل العظيم قد دل عليه كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعمل الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح رحمهم الله تعالى: أما كتاب الله تعالى: فقد قال الله-عز وجل-:}يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كمنم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقدكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون{ {سورة آل عمران، الآيتان: 102،103}. وقال تعالى: }ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم{ {سورة آل عمران، الآية: 105}. وقال تعالى :} ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم{ {سورة الأنفال، الآية: 46} وقال تعالى: }إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء{ {سورة الأنعام، الآية: 159} وقال تعالى: }شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه{ {سورة الشورى، الآية: 13}. ففي هذه الآيات نهى الله تعالى عن التفرق وبين عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع والأمة بأسرها. وأما دلالة السنة على هذا الأصل العظيم: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا ، التقوى ههنا-ويشير إلى صدره- يحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله(1) وفي رواية: "لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخواناً" (2) ويقول عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" (3) وقال عليه الصلاة والسلام لأبي أيوب رضي الله عنه: "ألا أدلك على تجارة؟" قال : بلى يا رسول الله. قال : "تسعى في الإصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ،وتقارب بينهم إذا تباعدوا" (4) وفي مقابلة أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالتحاب والتآلف ومحبة الخير والتعاون على البر والتقوى وفعل الأسباب التي تقوي ذلك وتنمية في مقابلة ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يوجب تفرق المسلمين وتباعدهم وذلك لما في التفرق والبغضاء من المفاسد العظيمة فالتفرق هو قرة عين شياطين الجن والإنس، لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من. أهل الإسلام أن يجتمعوا على شيء فهم يريدون أن يتفرقوا لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام والاتجاه إلى الله عز وجل. فالنبي صلى الله عليه وسلم حث على التألف والتحاب بقوله وفعله ، ونهى عن التفرق والإختلاف الذي يؤدي إلى تفريق الكلمة وذهاب الريح. وأما عمل الصحابة: فقد وقع بينهم رضي الله عنهم الاختلاف ،ولكن لم يحصل به التفرق ولا العداوة ولا البغضاء، فقد حصل الخلاف بينهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله بين أظهرهم فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل يأمره أن يخرج إلى بني قريظة لنقضهم العهد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" (1) فنقول سمعنا وأطعنا. ومنهم من قال: نصلي في الوقت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج ولم يرد تأخير الصلاة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحداً منهم ولم يوبخه على ما فهم ، وهم بأنفسهم رضي الله عنهم لم يتفرقوا من أجل أختلاف الرأي في فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما عمل السلف الصالح: فإن من أصول السنة والجماعة في المسائل الخلافية أ، ما كان الخلاف فيه صادراً عن اجتهاد وكان مما يسوغ فيه الاجتهاد فإن بعضهم يعذر بعضاً بالخلاف ولا يحمل بعضهم على بعض حقداً ، ولا عداوة ، ولا بغضاء بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف ، حتى إن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء ويرى الإمام أنه على وضوء ، مثل أن يصلي خلف شخص أكل لحم إبل وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء ، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة ، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن إجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف ، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب الحقيقة بخلاف ، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه إتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما إتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم ، لأنهم يدعون إلى إتباع الدليل أينما كان ، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده فهو في الحقيقة قد وافقهم ، لأنه تمشى على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . أما مالا يسوغ فيه الخلاف فهو ما كان مخالفاً لما كان عليه الصحابة والتابعون، كمسائل العقائد التي ضل فيها من ضل من الناس ، ولم يحصل فيها الخلاف إلا بعد القرون المفضلة-أي لم ينتشر الخلاف إلا بعد القرون المفضلة-وإن كان بعض الخلاف فيها موجوداً في عهد الصحابة ولكن ليعلم إننا إذا قلنا قرن الصحابة ليس المعنى أنه لا بد أن يموت كل الصحابة ، بل القرن ما وجد فيه معظم أهله قال شيخ الإسلام بن تيمية –رحمه الله – "إن القرن يحكم بانقضائه إذا أنقرض أكثر أهله". فالقرون المفضلة انقرضت ولم يوجد فيها هذا الخلاف الذي أنتشر بعدهم في العقائد ، فمن خالف ما كان عليه الصحابة والتابعون فإنه عليه ولا يقبل خلافه. أما المسائل التي وجد فيها الخلاف في عهد الصحابة وكان فيها مساغ للإجتهاد فلا بد من أن يكون الخلاف فيها باقياً قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإن أجتهد فأخطأ فله أجر" (1) فهذا هو الضابط. فالواجب على المسلمين جميعاً أن يكون أمة واحدة وأن لا يحصل بينه تفرق وتحز ب بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن ويتعادون ويتباغضون من أجل أختلاف يسوغ فيه الاجتهاد فإنهم وإن أختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم إئتلاف القلوب وإتحاد الكلمة ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبونه من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة ، أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين أو للإسلام وهم ليسوا كذلك. الأصل الثالث إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشياً ، فبين الله هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً ، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به. الشرح قوله: "إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة . . إلخ". ذكر المؤلف رحمه الله تعالى –أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لولاة الأمر بأمتثال ما أمروا به وترك ما نهو عنه ولو كان من تأمر علينا عبداً حبشياً. قوله: "فبين الله هذا بياناً شائعاً كافياً . . . إلخ". أما بيانه شرعاً: ففي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: فمن بيانه في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: فمن بيانه في كتاب الله تعالى قوله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{ {سورة النساء، الآية: 59}. الآية ، وقوله : }أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين{ {سورة الأنفال، الآية: 46} وقوله: }واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا{ - {سورة آل عمران، الآية: 103}. ومن بيانه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ثبت في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثره علينا ، وأن لا تنازع الأمر أهله ، قال إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"(1). وقال عليه الصلاة والسلام : "من رأى من أميره شيئاً فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية"(2) وقال صلى الله عليه وسلم : "من خلع يداً من الطاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له"(3) وقال : "أسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي"(4) وقال عليه الصلاة والسلام: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(1) متفق عليه. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه ما من نبي بعثه الله إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرقق بعضها بعضاً ، تجي الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ، وتجي الفتنة فيقول هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتي إليه ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن أستطاع فإن جاءه آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر"(2) رواه مسلم. وأما بيانه قدراً: فإنه لا يخفي حال الأمة الإسلامية حين كانت متمسكة بدينها، مجتمعة عليه، معظمة لولاة أمورها، منقادة لهم بالمعروف ، كانت لها السيادة والظهور في الأرض كما قال تعالى: }وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما أستخلف الذين قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً{ {سورة النور ، الآية : 55} ، وقال تعالى: }ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور{. {سورة الحج، الآيتان: 40،41} . ولما أحدثت الأمة الإسلامية ما أحدثت وفرقوا دينهم ، وتمردوا على أثمتهم ، وخرجوا عليهم وكانوا شيعاً نزعت المهابة من قلوب أعدائهم ، وتنازعوا ففشلوا وذهب ريحهم ، وتداعت عليه الأمم وصاروا غثاء كغثاء السيل. وصار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم والغيرة على دين الله وترك العمل به ورأى كل فرد من أفراد الرعية نفسه أميراً أو بمنزلة الأمير المنابذ للأمير. فالواجب علينا جميعاً –رعاة ورعية-أن نقوم بما أوجب الله علينا من التحاب والتعاون على البر والتقوى، والاجتماع على المصالح لنكون من الفائزين ، وعلينا أن نجتمع على الحق ونتعاون عليه، وأن نخلص في جميع أعمالنا ، وأن نسعى لهدف واحد هو إصلاح هذه الأمة إصلاحاً دينياً ودنيوياً بقدر ما يمكن ، ولن يمكن ذلك حتى تتفق كلمتنا ونترك المنازعات بيننا والمعارضات التي لا تحقق هدفاً ، بل ربما تفوت مقصوداً وتعدم موجوداً. إن الكلمة إذا تفرقت ،والرعية إذا تمردت ، دخلت الأهواء والضغائن وصار كل واحد يسعى لتنفيذ كلمته وإن تبين أن الحق والعدل في خلافها وخرجنا عن توجيهات الله تعالى حيث يقول: }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقائه ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون{. {سورة آل عمران، الآية: 103} . فإذا عرفت كل واحد ما له وما عليه وقام به على وفق الحكمة فإن الأمور العامة الخاصة تسير على أحسن نظام وأكمله. الأصل الرابع بيان العلم والعلماء ، والفقه والفقهاء ، وبيان من تشبه بهم وليس منهم ، وقد بين الله هذا الأصل في أول سورة البقرة من قوله: }يابني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم{ {سورة البقرة، الآية: 40} إلى قوله: }يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين{ ، {سورة البقرة، الآية: 47}. ويزيده وضوحاً ما صرحت به السنة في هذا الكلام الكثير البين الواضح للعامي البليد ، ثم صار هذا أغرب الأشياء ، وصار العلم والفقه هو البدع والضلالات، وخيار ما عندهم لبس الحق بالباطل ، وصار العلم الذي فرضه الله تعالى على الخلق ومدحه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون ، وصار من أنكره وعاداه وصنف في التحذير منه والنهي عنه هو الفقيه العالم.
الشـرح قوله: "بيان العلم والعلماء ، والفقه والفقهاء . . .إلخ" المراد بالعلم (*) هنا العلم الشرعي وهو : علم ما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى" والعلم الذي فيه المدح والثناء هو علم الشرع
علم ما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة قال الله تعالى : }قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب{ ، {سورة الزمر ، الآية: 9} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (2) ومن المعلوم أن الذي ورثه الأنبياء إنما هو علم الشريعة، ومع هذا فنحن لا ننكر ان يكون للعلوم الأخرى فائدة ، ولكنها فائدة ذات حدين: إن أعانت على طاعة الله وعلى نصر دين الله وأنتفع بها عباد الله كانت خيراً ومصلحة ، وقد ذكر بعض أهل العلم أن تعلم الصناعات فرض كفاية وهذا محل نظر ونزاع. وعلى كل حال فالعلم الذي الثناء فيه وعلى طالبيه هو فقه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عدا ذلك فإن كان وسيلة إلى خير فهو خير ، وإن كان وسيلة إلى شر فهو شر، وإن لم يكن وسيلة لهذا وهذا فهو ضياع وقت ولغو. والعلم له فضائل كثيرة: منها: أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما عملوا، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله تعالى: }يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات{ {سورة المجادلة، الآية: 11} . ومنها : أنه إرث النبي صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"(1) . ومنها : أنه مما يبقى للإنسان بعد مماته فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات العبد أنقطع عمله إلا ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح"(2) ومنها : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم إلا على نعمتين هما: 1-طلب العلم والعمل به. 2-الغني الذي جعل ماله خدمة للإسلام ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا حسد إلا في أثنتين رجل آناه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (1) . ومنها: أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه وكيف يعامل غيره، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة. ومنها : أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم ، ولا يخفى على كثير من الناس قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل رجلاً عابداً هل له من توبة . فكأن العابد أستعظم الأمر فقال: "لا" فقتله السائل فأتم به المئة ، ثم ذهب إلى عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دله على بلد أهله صالحون ليخرج إليه فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق ، والقصة مشهورة (1) فأنظر الفرق بين العالم والجاهل. إذا تبين ذلك فلابد من معرفة من هم العلماء حقاً ، هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربهم حتى يتميز هؤلاء الربانيون عمن تشبه بهم وليس منهم ، يتشبه بهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق ، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل ويصوغه بعبارات مزخرفة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون. هذا معنى كلام المؤلف –رحمه الله- وكأنه يشير إلى أئمة أهل البدع المضلين الذين يلمزون أهل السنة بما هم بريئون منه ليصدوا الناس عن الأخذ منهم ، وهذا إرث الذين طغوا من قبلهم وكذبوا الرسل كما قال الله تعالى: }كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الله إلا قالوا ساحر أو مجنون{ {سورة الذاريات، الآية : 52} . قال الله تعالى : }أتواصوا به بل هم قوم طاغون{ . {سورة الذاريات، الآية: 53}. الأصل الخامس بيان الله سبحانه لأولياء الله وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله المنافقين والفجار ، ويكفي في هذا آية من سورة آل عمران وهي قوله: }قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله{ {سورة آل عمران، الآية: 31} . الآية ،و آية في سورة المائدة وهي قوله: }يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه{ {سورة المائدة، الآية: 54} . الآية ، وآية في يونس وهي قوله : }ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين أمنوا وكانوا يتقون{ {سورة يونس ، الآية: 62} ، ثم صار الأمر عند الله أكثر من يدعى العلم وأنه من هداة الخلق وحفاظ الشرع إلى أن الأولياء لا بد فيهم من ترك اتباع الرسل ومن تبعهم فليس منهم ولا بد من ترك اتباع الرسل ومن تبعهم فليس منهم ولا بد من ترك الجهاد فليس منهم ، ولا بد من ترك الإيمان والتقوى فمن تعهد بالإيمان والتقوى فليس منهم يا ربنا نسألك العفو والعافية إنك سميع الدعاء. الشـرح قوله: "بيان الله سبحانه لأولياء الله . . .إلخ" أولياء الله تعالى هم الذين أمنوا به وأتقوه واستقاموا على دينه
وهم من وصفهم الله تعالى بقوله : }ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون{ فليس كل من يدعي الولاية يكون ولياً ، وإلا لكان كل واحد يدعيها ، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية بعمله، إن كان عمله الإيمان والتقوى فإنه ولي ، وإلا فليس بولي وفي دعواه الولاية تزكية لنفسه وذلك ينافي تقوى الله عز وجل لأن الله تعالى يقول: }فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى{ {سورة النجم، الآية: 32} . فإذا أدعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذ يكون واقعاً في معصية الله وفيما نهاه الله عنه وهذا ينافي التقوى ، فأولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه، ويقومون بطاعته سبحانه وتعالى على الوجه الأكمل ، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله تعالى. فهؤلاء الذين يدعون أنفسه أحياناً اسياداً ، واحياناً أولياء لو تأمل الإنسان ما هم عليه لوجدهم أبعد ما يكونون عن الولاية والسيادة فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يغترون بمدعي الولاية حتى يقيسوا حاله بما جاء في النصوص في أوصاف الأولياء وولايته بما ساقه من الآيات : الآية الأولى: قوله تعالى في آل عمران : }قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله{ {سورة آل عمران، الآية: 31} وهذه الآية تسمى آية المحنة أي الأمتحان حيث أدعى قوم محبة الله تعالى فأنزل الله هذه الآية فمن أدعى محبة الله تعالى نظرنا في عمله فإن كان متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو صادق وإلا فهو كاذب. الآية الثانية: قوله تعالى في المائدة: }يا ايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه{ ، {سورة المائدة، الآية: 54} . الآيتين فوصفهم بأوصاف هي علامة المحبة وثمراتها : الوصف الأول: أنهم أذلة على المؤمنين فلا يحاربونهم ولا يقفون ضدهم ولا ينابذونهم. الوصف الثاني: أنهم أعزة على الكافرين أي أقوياء عليهم غالبون لهم. الوصف الثالث: أنهم يجاهدون في سبيل الله أي يبذلون الجهد في قتال أعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا. الوصف الرابع: أنهم لا يخافون في الله لومة لائم . أي إذا لامهم أحد على ما قاموا به من دين الله لم يخافوا لومته، ولم يمنعهم ذلك من القيام بدين الله ع وجل. الآية الثالثة: قوله تعالى في يونس: }ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون{ {سورة يونس، الآية: 62}. فبين الله تعالى أن أولياء الله تعالى هم الذين اتصفوا بهذين الوصفين: الإيمان والتقوى فالإيمان بالقلب، والتقوى بالجوارح ، فمن أدعى الولاية ولم يتصف بهذين الوصفين فهو كاذب. ثم إن الشيخ-رحمه الله-بين أن الأمر صار على العكس عند أكثر من يدعى العلم وأنه من هداة الخلق وحفاظ الشرع فالولي عنده من لا يتبع الرسل ولا يجاهد في سبيل الله ولا يؤمن به ولا يتقيه. ويحسن بنا أن ننقل هنا ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالته: "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (1) ونسوق ما تيسر منها: قال رحمه الله-: "وقد بين سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لله أولياء من الناس ، وللشيطان أولياء، ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: }ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم{ " {سورة يونس، الآيات: 62-64}. وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى :}فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان فقال تعالى : }فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون{ {سورة النحل، الآيات: 98-100}. فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون . . . . وهم الذين آمنوا به ووالوه ، فأحبوا ما يحب ، وابغضوا ما يبغض ، ورضوا بما يرضى ، وسخطوا بما يسخط ، ومنعوا من يحب أن يمنع فلا يكون ولياً لله إلا من آمن به وبما جاء به ، واتبعه باطناً وظاهراً ، ومن أدعى محبة الله ولايته وهو لم يتبعه أي الرسول فليس من أولياء الله ، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان قال تعالى : }قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله{ {سورة آل عمران ، الآية : 31} فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الأيمان والتقوى ، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق . . وأولياء الله على طبقتين : سابقون مقربون. وأصحاب يمين مقتصدون ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وآخرها ، وفي الإنسان ، والمطففين ، وفي سورة فاطر. . . والجنة درجات متفاضلة تفاضلاً عظيماً، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم. فمن لم يتقرب إلى الله لا يفعل الحسنات ولا يترك السيئات لم يكن من أولياء الله فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله لا سيما أن تكون محجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه، أو نوع من تصرف . . . فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص ولياً لله وإن لم يعلم منه ما ينقض ولاية الله ، فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله ؟ مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب أتباع النبي صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً ، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة ، أو يعتقد أن لأولياء الله طريقاً إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم السلام . . . فعلى هذا فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ولا يجتنب المحارم بل قد بما يناقض ذلك لم يكن لأحد أن يقول هذا ولي الله . . . وليس لأولياء الله شيء يتميزون به من الأمور المباحات . . . وليس من شرط ولي الله أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين . . .ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو ولي الله يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو ولي لله لئلا يكون نبياً . . . بل يجب أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإن وافقه قبله ، وإن خالفه لم يقبله ، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف؟ توقف فيه ، والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف طرفان ووسط ، فمنهم من إذا أعتقد في شخص أنه ولي لله وافقه في كل ما يظن أنه حدث به قلبه عن ربه وسلم إليه جميع ما يفعله ، ومنهم من إذا رآه قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهداً مخطئاً . وخيار الأمور أوساطها : هو أن لا يجعل معصوماً ولا مأثوماً إذا كان مجتهداً مخطئاً ، فلا يتبع في كل ما يقوله ، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده، والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله . . . وقد أتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم ، فالأنبياء صلوات الله عليه وسلامه يجب لهم الإيمان بجميع ما يخبرون به عن الله عز وجل وتجب طاعتهم فيما يأمرون به ، بخلاف الأولياء فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به، ولا الإيمان بجميع ما يخبرون به بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله ، وما خالف الكتاب والسنة كان مردودا ص، وإن كان صاحبه من أولياء الله وكان مجتهداً معذوراً فيما قاله، له أجر على أجتهاده ، لكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مخطئاً وكان من الخطأ المغفور إذا كان صاحبه قد أتقى الله ما أستطاع . . . . وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الأعتصام بالكتاب والسنة هو مما أتفق عليه أولياء الله عز وجل ومن خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم ، بل إما أن يكون كافراً ، وإما أ، يكون مفرطاً في الجهل . . . . وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي الله ، ويظن أ، ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ، ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة فيوافق ذلك له ، ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه ، وبين أهل الجنة وأهل النار ، وبين السعداء والأشقياء ، فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده والمفلحين وعباده الصالحين ، ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولاً إلى البدعة والضلال ، وآخراً إلى الكفر والنفاق . . . وتجد كثيراً من هؤلاء عمدتهم في أعتقاده كونه ولياً لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور ، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة . . .وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله بل قد أتفق أولياء الله على أ، الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه . . . وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور ، وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان صاحبها ولياً لله فقد يكون عدواً لله فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين ، وتكون لأهل البدع ، وتكون من الشياطين فلا يجوز أن يظن أ، كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله ، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة . . . وقد أتفق سلف الأمة وأثمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم "أربع مراتب" فقال الله تعالى: }ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً{ {سورة النساء، الآية: 69} . . . ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين وخيار أولياء الله كراماتهم لحجة في الدين أو لحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم كذلك ، وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم . . . . ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج غليها لضعف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوى إيمانه ويسد حاجته، ويكون من هو أكمل ولاية الله منه مستغنياً عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لا لنقص ولايته ، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة. بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدي الخلق ولحاجتهم فهؤلاء أعظم درجة . . . والناس في خوارق العادات على ثلاثة أقسام: قسم يكذب بوجود ذلك لغير الأنبياء ، وربما صدق به مجملاً ، وكذب ما يذكره له عن كثير من الناس لكونه عنده ليس من الأولياء. ومنهم من يظن أن كل من كان له نوع من خرق العادة كان ولياً لله . وكلا الأمرين خطأ . . . ولهذا تجد أن هؤلاء يذكرون أن للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونهم على قتال المسلمين وأنهم من أولياء الله، وأولئك يكذبون أن يكون معهم من له خرق عادة والصواب القول الثالث وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم لا من أولياء الله عز وجل . وفيما نقل كفاية إن شاء الله تعالى ومن أراد المزيد فليرجع إلى الأصل والله الموفق. الأصل السادس
رد الشبة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة ، وهي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافا لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر ، فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضاً حتماً لا شك ولا أشكال فيه ، ومن طلب الهدى منها فهو إما زنديق ، وإما مجنون لأجل صعوبة فهمها فسبحان الله وبحمده كم بين الله سبحانه شرعاً وقدراً ، خلقاً وأمراً في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى حد الضروريات العامة ولكن أكثر الناس لا يعلمون }لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إنما تنذر من أتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم{. {سورة يس ، الآيات: 7-11} . آخره والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. الشرح
قوله : "رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة. . . .إلخ" الاجتهاد لغة: بذل الجهد لإدراك أمر شاق. واصطلاحاً : بذل الجهد لإدراك حكم شرعي. والاجتهاد له شروط منها: 1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها. 2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه كمعرفة الإسناد ورجاله وغير ذلك. 3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للاجماع. 4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص أو تقييد أو نحوه حتى لا يحكم بما يخالف ذلك 5- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ كالعام والخاص، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمبين ونحو ذلك ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات. 6- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها. والاجتهاد يتجزأ فيكون في باب واحد من أبواب العلم ، أو في مسألة من مسائلة ، والمهم أن المجتهد يلزمه أن يبذل جهده في معرفة الحق ثم يحكم بما يظهر له فإن أصاب فله أجران : أجر على أجتهاده وأجر على إصابة الحق ؛ لأن في إصابة الحق إظهاراً له وعملاً به ، وإن أخطأ فله أجر واحد والخطأ مغفور له لقوله صلى الله عليه وسلم :"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (1) وإن لم يظهر له الحكم وجب عليه التوقف وجاز التقليد حينئذ للضرورة لقوله تعالى: }فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{ {سورة النحل، الآية : 43} . ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"إن التقليد بمنزلة أكل الميتة فإذا إستطاع أن يستخرج الدليل بنفسه فلا يحل له التقليد" وقال ابن القيم رحمه الله في النونية : العلم معرفة الهدى بدليل ما ذاك والتقليد يستويان والتقليد يكون في موضعين: الأول: أن يكون المقلد عامياً لا يستطيع معرفة الحكم بنفسه ففرضه التقليد لقوله تعالى: }فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون{ ويقلد أفضل من يجده علماً وورعاً ، فإن تساوى عنده إثنان خير بينهما. الثاني : أن يقع للمجتهد حادثة تقتضي الفورية ولا يتمكن من النظر فيها فيجوز له التقليد حينئذ.
والتقليد نوعان: عام وخاص . فالعام : أن يلتزم مذهبا معيناً يأخذ برخصه وعزائمه في جميع أمور دينه ، وقد أختلف العلماء فيه: فمنهم من حكى تحريمه لما فيه من الإلتزام المطلق لاتباع غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "إن في القول بوجوب طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه هو خلاف الاجماع وجوازه فيه ما فيه" . والخاص : أن يأخذ بقول معين في قضية معينة فهذا جائز إذا عجز عن معرفة الحق سواء الاجتهاد سواء عجز عجزاً حقيقياً ، أو أستطاع ذلك مع المشقة العظيمة.
...................................
| |
|
| |
| مهم جدا لطلبة العلم وكيفية الرد على الفرق الضالة والمبتدعة. | |
|