علوم البلاغة .. علم البيان
كان مصطلح (علم البيان) رديفاً لكلمة البلاغة بعامة، فلم يكن له إطار واضح الحدود، إلى أن استقرت المباحث البلاغية، وخُصّ علم البيان ببحث الصور الكلامية المؤثرة.
فعلم البيان: "هو العلم الذي تستطيع بواسطته وبمعرفته أن تؤدي المعنى الواحد الذي تريد تأديته بطرق مختلفة من اللفظ، بعضها أوضح من بعض، وإنْ شئت فقل: بعضها أكثر تأثيراً من بعضها الآخر"(1)
، ومن هذه الطرق: الكناية، والتشبيه، والمجاز بأنواعه، وقد بحث الشيخ عبد القاهر هذه الموضوعات بكتاب مستقل، سمّاه (أسرار البلاغة).
واضحٌ أن (علم البيان) يختلف في بحثه عن (علم المعاني)، بيد أن العلاقة بين العلمين قائمة وقوية، تنطلق من طبيعة تركيب النفس البشرية، ومن وظيفة اللغة التأثيرية، فحتى يكون الكلام بليغاً، ويقع موقعه من النفس لا بدّ أن يشبع حاجات الإنسان، والإنسان فكر وعاطفة، وعلم المعاني يحاكي الفكر، أما علم البيان فيحاكي العواطف والمشاعر.
يقول أ.د. فضل عباس ـ موضحاً الصلة بين (علم المعاني) و(علم البيان)، ومؤكداً عدم الغَناء بأحدهما عن الآخر ـ : "علم المعاني هو مطابقة ما على اللسان لما في النفس، وهذه قضية تعتمد أول ما تعتمد على الفكر، ولكن الإنسان ليس فكراً وحده، فلقد أراد الله له أن يكون له مع الفكر عاطفة، ومع العقل وجدان، ومع المنطق أحاسيس ومشاعر، ولعلك الآن بدأت تدرك وظيفة علم البيان، فإذا كان علم المعاني يعتمد أول ما يعتمد على الفكر الذي تطابق به بين ما رتبته في نفسك، وما ينبغي أن ترتبه في نطقك، فإن علم البيان هو ذلك العلم الذي يُحدث أثراً في نفسك، ويسمو بعاطفتك، ويرهف حسّك.
ولا بدّ للبلاغة من هذين الركنين: أن يكون الكلام متلائماً مع أوضاع المخاطبين، وأن يكون مؤثراً في النفس حتى تتفاعل معه وتتجاوب، فالركن الأول: وظيفة علم المعاني، والركن الثاني: مهمة علم البيان.
علم البيان ـ إذن ـ علم الصور البديعة، التي من شأنها، أن تهز أعطاف النفس، ونحن لا نريد أن نفاضل بين العلمين؛ إذ لا غَناء بأحدهما عن الآخر، وإنْ كانت قضية النظم أدقّ مسلكاً، وأدلّ على الإعجاز، إلا أن علم البيان أدعى للتأثير، وأدنى إلى العاطفة"(2)
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فضل عباس، البلاغة فنونها وأفنانها ـ علم البيان والبديع ـ ، ص(12) .
(2) المرجع السابق ، ص(12).
...............
,,,,,,,,,,,,,,,