(موقع كفر المشارقة الاسلامى) اشراف الاستاذ ايهاب متولى
مرحبا بك زائرنا الحبيب
مرحبا بك فى اعلام واقلام
مرحبا بك معنا فردا عزيزا علينا
نمنحك عند التسجيل العضو المميز
كما يمكنك الكتابة والتعليق فى بعض الفئات دون تسجيل
ونتمنى لكم مشاهدة ممتعة معنا
نسالكم الدعاء
اخوكم ايهاب متولى
(موقع كفر المشارقة الاسلامى) اشراف الاستاذ ايهاب متولى
مرحبا بك زائرنا الحبيب
مرحبا بك فى اعلام واقلام
مرحبا بك معنا فردا عزيزا علينا
نمنحك عند التسجيل العضو المميز
كما يمكنك الكتابة والتعليق فى بعض الفئات دون تسجيل
ونتمنى لكم مشاهدة ممتعة معنا
نسالكم الدعاء
اخوكم ايهاب متولى
(موقع كفر المشارقة الاسلامى) اشراف الاستاذ ايهاب متولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

(موقع كفر المشارقة الاسلامى) اشراف الاستاذ ايهاب متولى

وفق الكتاب والسنة وما اتفقت عليه الامة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتلاوات الاشبالمنتدى حياتى ملك ربى
https://ehabmtwale.forumegypt.net/ لا تنسى ذكر الله
هــــــــــــــلا و غــــــــــــــلا فيك معانا في منتدانا.. بين اخوانك واخواتك الأعضاء ونبارك لأنفسنا أولاً ولك ثانياً بزوغ نجمك وإنضمامك لركب هذه القافلة الغالية علينا نتمنى لك طيب الإقامة وقضاء وقت مُمتع ولحظات سعيدة بصحبتنا .. بإذن الله في إنتظار ما يفيض به قلمك من جديد ومفيد .. لك مني أرق تحية مع خالص تحياتى (موقع كفر المشارقة الاسلامى) اشراف الاستاذ ايهاب متولى

 

 مجموع الفتاوى الجزء الاول الشفاعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ايهاب متولى
مؤسس الموقع
مؤسس الموقع
ايهاب متولى


عدد المساهمات : 1578
نقاط : 3229
تاريخ التسجيل : 10/01/2011
العمر : 45

مجموع الفتاوى الجزء الاول   الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: مجموع الفتاوى الجزء الاول الشفاعة   مجموع الفتاوى الجزء الاول   الشفاعة Empty2011-08-05, 13:13



وفى الباب آثار عن السلف أكثرها ضعيفة‏.‏
فمنها حديث الأربعة الذين اجتمعوا عند الكعبة وسألوا، وهم‏:‏ عبد الله ومصعب ابنا الزبير، وعبد الله بن عمـر، وعبد الملك بن مـروان، وذكره ابن أبى الـدنيا فى كتاب ‏[‏مجابـى الدعـاء‏]‏ ورواه من طـريق إسـماعيل بن أبان الغنوى، عن سفيان الثورى عن طارق بن عبد العزيز عن الشعبى أنه قال‏:‏ لقد رأيت عجبًا، كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله ابن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم‏:‏ ليقم كل رجل منكم فليأخذ بالركن اليمانى، وليسأل الله حاجته فإنه يعطى من سعة‏.‏ ثم قالوا‏:‏ قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولود فى الإسلام بعد الهجرة، فقام فأخذ بالركن اليمانى ثم قال‏:‏ اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك ألا تميتنى من الدنيا حتى تولينى الحجاز، ويسلم على بالخلافة، ثم جاء فجلس‏.‏
ثم قام مصعب فأخذ بالركن اليمانى ثم قال‏:‏ اللهم إنك رب كل شىء، وإليك يصير كل شىء، أسألك بقدرتك على كل شىء، ألا تميتنى من الدنيا حتى تولينى العراق وتزوجنى بسكينة بنت الحسين‏.‏
ثم قام عبد الملك بن مروان فأخذ بالركن اليمانى ثم قال‏:‏ اللهم رب السموات السبع، ورب الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك به عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحقك على خلقك‏.‏ وبحق الطائفين حول عرشك‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏.‏
قلت‏:‏ وإسماعيل بن أبان الذى روى هذا عن سفيان الثورى كذاب، قال أحمد بن حنبل‏:‏ كتبت عنه، ثم حدث بأحاديث موضوعة فتركناه‏.‏ وقال يحىى بن معين‏:‏ وضع حديثا على السابع من ولد العباس يلبس الخضرة يعنى المأمون، وقال البخارى ومسلم وأبو زرعة والدارقطنى‏:‏ متروك‏.‏ وقال الجوزجانى‏:‏ ظهر منه على الكذب‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ كذاب‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ يضع على الثقات‏.‏ وطارق بن عبد العزيز الذى ذكر أن الثورى روى عنه لا يعرف من هو‏.‏ قال‏:‏ فإن طارق بن عبد العزيز المعروف الذى روى عنه ابن عجلان ليس من هذه الطبقة‏.‏
وقد خولف فيها فرواها أبو نعيم عن الطبرانى‏:‏ حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش، حدثنا أبو حاتم السجستانى، حدثنا الأصمعى قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال‏:‏ اجتمع فـى الحجـر مصعـب وعروة وعبد الله أبناء الزبير وعبـد الله بـن عمر فقالوا‏:‏ تمنوا‏.‏ فقال عبد الله بن الزبير‏:‏ أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة‏:‏ أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عنى العلم، وقال مصعب‏:‏ أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، وقال عبد الله بن عمر‏:‏ أما أنا فأتمنى المغفرة‏.‏ قال‏:‏ فنال كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له‏)‏‏.‏ قلت‏:‏ وهذا إسناد خير من ذاك الإسناد باتفاق أهل العلم، وليس فيه سؤال بالمخلوقات‏.‏
وفى الباب حكايات عن بعض الناس أنه رأى مناما قيل له فيه‏:‏ ادع بكذا وكذا، ومثل هذا لا يجوز أن يكون دليلاً باتفاق العلماء، وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع الأدعية، وروى فى ذلك أثـر عن بعض السـلف مثـل ما رواه /ابـن أبـى الدنيا فى كتاب ‏[‏مجابـي الـدعاء‏]‏، قال‏:‏ حـدثنا أبو هـاشم، سـمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول‏:‏ جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر فجس بطنه فقال‏:‏ بك داء لا يبرأ‏.‏ قال‏:‏ ما هو ‏؟‏ قال‏:‏ الدُّبَيْلة ‏[‏الدبيلة‏:‏ داء فى الجوف‏.‏ انظر‏:‏ القاموس المحيط، مادة ‏[‏دبل‏]‏‏]‏‏.‏
قال‏:‏ فتحول الرجل فقال‏:‏ الله، الله، الله ربى لا أشرك به شيئا، اللهم إنى أتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليما، يا محمد، إنـى أتوجـه بك إلى ربك وربى يرحمنى مما بـى‏.‏ قال‏:‏ فجس بطنه فقال‏:‏ قد برئت، ما بك علة‏.‏
قلت‏:‏ فهذا الدعاء ونحوه قد روى أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل فى منسك المروزى التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم فى الدعاء، ونهى عنه آخرون‏.‏ فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول‏.‏
وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ فى الشريعة، فإن كثيرا من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين ويحصل ما يحصل من غرضهم، وبعض الناس يقصدون الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التى فى الكنائس، ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين ويحصل ما يحصل من غرضهم‏.‏ فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحًا، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحتـه، والشريعـة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها، نهى الله ورسوله عنها، كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لما كانت مصلحته راجحة على مفسدته أمر به الشارع‏.‏
فهذا أصل يجب اعتباره، ولا يجوز أن يكون الشىء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعى يقتضى إيجابه أو استحبابه‏.‏ والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة‏.‏ والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا‏.‏
وفى الجملة، فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به، بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى إليهم، فهذا مما لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين‏.‏
وحديث الأعمى الذى رواه الترمذى والنسائى هو من القسم الثانى من التوسل بدعائه، فإن الأعمى قد طلب من النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله عليه بصره، فقال له‏:‏ ‏(‏إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك‏)‏ فقال‏:‏ بل ادعه، فأمره أن يتوضأ ويصلى ركعتين ويقول‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك بنبيك نبى الرحمة، يا محمد، يا رسول الله، إنى أتوجه بك إلى ربى فى حاجتى هذه ليقضيها، اللهم فشفعه فىّ‏)‏ فهذا توسل بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم وشفاعته، ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال‏:‏ ‏(‏وشفعه فىّ‏)‏ فسأل الله أن يقبل شفاعة رسوله فيه وهو دعاؤه‏.‏
وهذا الحديث ذكره العلماء فى معجزات النبى صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره‏.‏
وهذا الحديث ـ حديث الأعمى ـ قد رواه المصنفون فى دلائل النبوة كالبيهقى وغيره‏:‏ رواه البيهقى من حديث عثمان بن عمر، عن شعبة، عن أبى جعفر الخطمى، قال‏:‏ سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضريراً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادع الله أن يعافينى، فقال له‏:‏ ‏(‏إن شئت أخَّرْت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت‏)‏ قال‏:‏ فادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين ويدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فى حاجتى هذه فيقضيها لى، اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ قال‏:‏ فقام وقد أبصر، ومن هذا الطريق رواه الترمذى من حديث عثمان بن عمر‏.‏
ومنها‏:‏ ما رواه النسائى وابن ماجه أيضا، وقال الترمذى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبى جعفر وهو غير الخطمى، هكذا وقع فى الترمذى، وسائر العلماء قالوا‏:‏ هو أبو جعفر الخطمى وهو الصواب، وأيضا فالترمذى ومن معه لم يستوعبوا لفظه كما استوعبه سائر العلماء، بل رووه إلى قوله‏:‏ ‏(‏اللهم شفعه فى‏)‏‏.‏
قال الترمذى‏:‏ حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبى جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضرير البصر أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادع الله أن يعافينى قال‏:‏ ‏(‏إن شئت صبرت فهو خير لك‏)‏ قال‏:‏ فادعه، قال‏:‏ فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى توجهت بك إلى ربى فى حاجتى هذه لتقضى، اللهم شفعه فى‏)‏، قال البيهقى‏:‏ رويناه فى ‏[‏كتاب الدعوات‏]‏ بإسناد صحيح عن روح بن عبادة عن شعبة، قال‏:‏ ففعل الرجل فبرأ، قال‏:‏ وكذلك رواه حماد ابن سلمة عن أبى جعفر الخطمى‏.‏
قلت‏:‏ ورواه الإمام أحمد فى مسنده عن روح بن عبادة كما ذكره البيهقى، قال أحمد‏:‏ حدثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن أبى جعفر المدينى، سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف‏:‏ أن رجلا ضريراً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبى الله، ادع الله أن يعافينى، قال‏:‏ ‏(‏إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك‏)‏ قال‏:‏ لا، بل ادع الله لى، فأمره أن يتوضأ وأن يصلى ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى الله فى حاجتى هذه، فتقضى لى وتشفعنى فيه وتشفعه فى‏)‏ قال‏:‏ ففعل الرجل فبرئ‏.‏
رواه البيهقى أيضاً من حديث شبيب بن سعيد الحَبَطِىّ، عن روح بن القاسم، عن أبى جعفر المدينى ـ وهو الخُطْمِىّ ـ عن أبى أمامة سهل بن حنيف، عن عثمان بن حنيف قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير يشتكى إليه ذهاب بصره فقال‏:‏ يا رسول الله، ليس لى قائد وقد شق على؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبى الرحمة ،يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيجلى عن بصرى، اللهم فشفعه فى وشفعنى فى نفسى‏)‏ قال عثمان بن حنيف‏:‏ والله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأنه لم يكن به ضر قط‏.‏
فرواية شبيب عن روح عن أبى جعفر الخطمى خالفت رواية شعبة وحماد بن سلمة فى الإسناد والمتن، فإن فى تلك أنه رواه أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة، وفى هذه أنه رواه عن أبـى أمامـة سهل، وفى تلك الـرواية أنه قال‏:‏ فشفعه فىَّ وشـفعنى فيـه، وفـى هذه‏:‏ وشـفعنى فى نفسـى‏.‏ لكن هذا الإسنـاد لـه شاهـد آخـر من روايـة هشـام الـدُّسْتِوائى عن أبى جعفر‏.‏
ورواه البيهقى من هذا الطريق وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته ـ إن كانت صحيحة ـ رواه من حديث إسماعيل بن شبيب بن سعيد الحبطى عن شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبى جعفر المدينى عن أبى أمامة سهل بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان، فى حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر، فى حاجته، فلقى الرجل عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف‏:‏ ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل ركعتين ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيقضى لى حاجتى، ثم اذكر حاجتك، ثم رح حتى أروح معك‏.‏ قال‏:‏ فانطلق الرجل فصنع ذلك، ثم أتى بَعْدُ عثمان ابن عفان، فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان فأجلسه معه على الطِّنْفِسَة وقال‏:‏ انظر ما كانت لك من حاجة‏.‏ فذكر حاجته فقضاها له‏.‏
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف فقال له‏:‏ جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر فى حاجتى ولا يلتفت إلىّ حتى كلمته فىّ‏.‏ فقال عثمان بن حنيف‏:‏ ما كلمته ولكن سـمعت رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم يقول، وجـاءه ضرير فشكـا إليـه ذهاب بـصره، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أو تصبر ‏؟‏‏)‏ فقال له‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لى قائد وقد شق علىَّ، فقال‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ وصل ركعتين، ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيجلى لى عن بصرى، اللهم فشفعه فى وشفعنى فى نفسى‏)‏ قال عثمان بن حنيف‏:‏ فوالله ما تفرقنا وما طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط‏.‏
قال البيهقى‏:‏ ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب بن سعيد‏.‏ قال‏:‏ ورواه أيضا هشام الدستوائى عن أبـى جعفر عن أبـى أمامة بـن سـهل عن عمه ـ وهو عثمان بـن حنيف ـ ولم يذكر إسناد هذه الطرق‏.‏
/قلت‏:‏ وقد رواه النسائى فى كتاب ‏[‏عمل اليوم والليلة‏]‏ من هذه الطريق من حديث معاذ بن هشام، عن أبيه، عن أبى جعفر، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف‏.‏ ورواه أيضاً من حديث شعبة وحماد بن سلمة كلاهما عن أبى جعفر، عن عمارة بن خزيمة، ولم يروه أحد من هؤلاء ـ لا الترمذى ولا النسائى ولا ابن ماجه من تلك الطريق الغريبة التى فيها الزيادة‏:‏ طريق شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم‏.‏
لكن رواه الحاكم فى مستدركه من الطريقين، فرواه من حديث عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبى جعفر المدنى، سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادع الله أن يعافينى فقال‏:‏ ‏(‏إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فادعه‏.‏ فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلى ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى توجهت بك إلى ربى فى حاجتى هذه، اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ قال الحاكم‏:‏ على شرطهما‏.‏
ثم رواه من طريق شبيب بن سعيد الحبطى وعون بن عمارة، عن روح بن القاسم، عن أبى جعفر الخطمى المدنى، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم وجاءه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره وقال‏:‏ يا رسول الله، ليس لى قائد وقد شق على، فقال‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم قال‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيجلى لى عن بصرى، اللهم فشفعه فىّ وشفعنى فى نفسى‏)‏ قال عثمان‏:‏ فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأن لم يكن به ضر قط‏.‏ قال الحاكم‏:‏ على شرط البخارى‏.‏
وشبيب هذا صدوق روى له البخارى، ولكنه قد روى له عن روح بن الفرج أحاديث مناكير رواها ابن وهب، وقد ظن أنه غلط عليه‏.‏ ولكن قد يقال مثل هذا إذا انفرد عن الثقات الذين هم أحفظ منه مثل شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائى بزيادة كان ذلك عليه فى الحديث، لا سيما وفى هذه الرواية أنه قال‏:‏ ‏(‏فشفعه فى وشفعنى فى نفسى‏)‏ وأولئك قالوا‏:‏ ‏(‏فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فيه‏)‏ أى فى دعائه وسؤاله لى فيطابق قوله‏:‏ ‏(‏وشفعه فى‏)‏‏.‏
قال أبو أحمد بن عدى فى كتابه المسمى ‏[‏بالكامل فى أسماء الرجال‏]‏ ـ ولم يصنف فى فنه مثله ـ‏:‏ شبيب بن سعيد الحبطى أبو سعيد البصرى التميمى حدث عنه ابن وهب بالمناكير، وحدث عن يونس عن الزهرى بنسخة الزهرى أحاديث مستقيمة، وذكر عن على ابن المدينى أنه قال‏:‏ هو بصرى ثقة، كان من أصحاب يونس، كان يختلف فى تجارة إلى مصر وجاء بكتاب صحيح، قال‏:‏ وقد كتبها عنه ابنه أحمد بن شبيب‏.‏ وروى عن عدى حديثين عن ابن وهب عن شبيب هذا عن روح بن الفرج‏:‏
أحدهما‏:‏ عن ابن عقيل، عن سابق بن ناجية، عن ابن سلام قال‏:‏ مر بنا رجل فقالوا‏:‏ إن هذا قد خدم النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏
/والثانى‏:‏ عنه، عن روح بن الفرج، عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة حديث دخول المسجد، قال ابن عدى‏:‏ كذا قيل فى الحديث عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عدى‏:‏ ولشبيب ابن سعيد نسخة الزهرى عنده عن يونس عن الزهرى وهى أحاديث مستقيمة‏.‏ وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير‏.‏
وحدثنى روح بن الفرج اللذين أمليتهما يرويهما ابن وهب عن شبيب، وكان شبيب ابن سـعيد إذا روى عنـه ابنـه أحمد بن شبيب نسـخة الزهرى، ليس هو شبيب بـن سـعيد الذى يحدث عنه ابن وهب بالمناكير التى يرويها عنه، ولعل شبيبا بمصر فى تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم، وأرجو ألا يتعمد شبيب هذا الكذب‏.‏
قلت‏:‏ هذا الحديثان اللذان أنكرهما ابن عدى عليه، رواهما عن روح بن القاسم، وكذلك هذا الحديث ـ حديث الأعمى ـ رواه عن روح بن القاسم‏.‏ وهذا الحديث مما رواه عنه ابن وهب أيضاً كما رواه عنه ابناه، لكنه لم يتقن لفظه كما أتقنه ابناه‏.‏
وهذا يصحح ما ذكره ابن عدى، فعلم أنه محفوظ عنه، وابن عدى أحال الغلط عليه لا على ابن وهب، وهذا صحيح إن كان قد غلط، وإذا كان قد غلط على روح بن القاسم فى ذينك الحديثين أمكن أن يكون غلط عليه فى هذا الحديث، وروح بن القاسم ثقة مشهور روى له الجماعة، فلهذا لم يحيلوا الغلط عليه‏.‏
/والـرجل قـد يكون حافـظا لما يرويـه عن شـيخ غير حافـظ لما يرويـه عن آخر، مثل إسـماعيل بـن عياش فيمـا يرويـه عن الحجـازيين، فإنـه يغلط فيـه، بخلاف ما يرويـه عن الشاميين‏.‏ ومثل سفيان بن حسين فيما يرويه عن الزهرى‏.‏ ومثل هذا كثير، فيحتمل أن يكون هذا يـغلط فيمـا يـرويه عن روح بـن القاسـم ـ إن كان الأمـر كمـا قالـه ابـن عدى ـ وهذا محل نظر‏.‏
وقد روى الطبرانى هذا الحديث فى المعجم من حديث ابن وهب عن شبيب بن سعيد، ورواه من حديث أصبغ بن الفرج‏:‏ حدثنا عبد الله بن وهب، عن شبيب بن سعيد المكى، عن روح بن القاسم، عن أبى جعفر الخطمى المدنى، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان فى حاجة له، فلقى عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف‏:‏ ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربك عز وجل فيقضى لى حاجتى‏.‏ وتذكر حاجتك، ورح حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قاله له، ثم أتى باب عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطِّنْفِسة، وقال‏:‏ حاجتك، فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له‏:‏ ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال‏:‏ ما كانت لك من حاجة فائتنا‏.‏
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف، فقال له‏:‏ جزاك الله خيراً، ما كان ينظر فى حاجتى ولا يلتفت إلىَّ حتى كلمته فى‏.‏ فقال له عثمان بن حنيف‏:‏ والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أفتصبر ‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ يا رسول الله إنه ليس لى قائد وقد شق علىّ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات‏)‏ فقال عثمان بن حنيف‏:‏ فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل، كأنه لم يكن به ضر قط‏.‏
قال الطبرانى‏:‏ روى هذا الحديث شعبة عن أبى جعفر واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة، تفرد به عثمان بن عمر عن شعبة، قال أبو عبد الله المقدسى‏:‏ والحديث صحيح‏.‏
قلت‏:‏ والطبرانى ذكر تفرده بمبلغ علمه ولم تبلغه رواية روح بن عبادة عن شعبة، وذلك إسناد صحيح، يبين أنه لم ينفرد به عثمان بن عمر، وطريق ابن وهب هذه تؤيد ما ذكره ابن عدى، فإنه لم يحرر لفظ الرواية كما حررها ابناه، بل ذكر فيها أن الأعمى دعا بمثل ما ذكره عثمان بن حنيف، وليس كذلك بل فى حديث الأعمى أنه قال‏:‏ ‏(‏اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه ـ أو قال ـ فى نفسى‏)‏‏.‏
وهذه لم يذكرها ابن وهب فى روايته، فيشبه أن يكون حدث ابن وهب من حفظه ـ كما قال ابن عدى ـ فلم يتقن الرواية‏.‏ وقد روى أبو بكر بن أبى خيثمة فى تاريخه حديث حماد بن سلمة فقال‏:‏ حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن سلمة، أنا أبو جعفر الخطمى، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف، أن رجلا أعمى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنى أصبت فى بصرى فادع الله لى‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏اذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبىى محمد نبى الرحمة‏.‏ يا محمد، أستشفع بك على ربى فى رد بصرى، اللهم فشفعنى فى نفسى وشفع نبىى فى رد بصرى، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك‏)‏ فرد الله عليه بصره‏.‏
قال ابن أبى خَيْثَمَة‏:‏ وأبو جعفر هذا ـ الذى حدث عنه حماد بن سلمة ـ اسمه عمير ابن يزيد وهو أبو جعفر الذى يروى عنه شعبة، ثم ذكر الحديث من طريق عثمان بن عمر عن شعبة‏.‏قلت‏:‏وهذه الطريق فيها ‏(‏فشفعنى فى نفسى‏"‏ مثل طريق روح بن القاسم، وفيها زيادة أخرى وهى قوله‏:‏‏"‏وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ـ أو قال ـ فعل مثل ذلك‏"‏‏.‏
وهذه قد يقـال‏:‏ إنهـا توافق قول عثمان بـن حـنيف، لكن شـعبة وروح بـن القاسم أحفظ من حماد بن سلمة، واختلاف الألفاظ يدل على أن مثل هذه الرواية قد تكون بالمعنى، وقوله‏:‏ ‏(‏وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك‏)‏ قد يكون مدرجًا من كلام عثمان لا من كلام النبى صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل‏:‏ ‏(‏وإن كانت لك حاجة فعلت مثل ذلك‏)‏، بل قال‏:‏ ‏"‏وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك‏)‏‏.‏
وبالجملة، فهذه الزيادة لو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة، وإنما غايتها أن يكون عثمان ابن حنيف ظن أن الدعاء يدعى ببعضه دون بعض، فإنه لم يأمره بالدعاء المشروع، بل ببعضه، وظن أن هذا مشروع بعد موته صلى الله عليه وسلم، ولفظ الحديث يناقض ذلك، فإن فى الحديث أن الأعمى سأل النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وأنه علم الأعمى أن يدعو وأمره فى الدعاء أن يقول‏:‏ ‏(‏اللهم فشفعه فى‏)‏، وإنما يدعى بهذا الدعاء إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم داعيا شافعا له، بخلاف من لم يكن كذلك، فهذا يناسب شفاعته ودعاءه للناس فى محياه فى الدنيا ويوم القيامة إذا شفع لهم‏.‏
وفيه أيضًا أنه قال‏:‏ ‏(‏وشفعنى فيه‏)‏، وليس المراد أنه يشفع للنبى صلى الله عليه وسلم فى حاجة للنبى صلى الله عليه وسلم ـ وإن كنا مأمورين بالصلاة والسلام عليه، وأمرنا أن نسأل الله له الوسيلة ـ ففى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من قال إذا سمع النداء‏:‏ اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذى وعدته، حلتْ له شفاعتى يوم القيامة‏)‏‏.‏
وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىّ فإن من صلى على صلاة صلى الله عليه عشرًا، ثم سَلوا الله لى الوسيلة، فإنها درجة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة‏)‏‏.‏
وسؤال الأمة له الوسيلة هو دعاء له وهو معنى الشفاعة؛ ولهذا كان الجزاء من جنس العمل، فمن صلى عليه صلى عليه الله، ومن سأل الله له الوسيلة المتضمنة لشفاعته شفع له صلى الله عليه وسلم، كذلك الأعمى سأل منه الشفاعة فأمره أن يدعو الله بقبول هذه الشفاعة وهو كالشفاعة فى الشفاعة؛ فلهذا قال‏:‏ ‏(‏اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏‏.‏
وذلك أن قبول دعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى مثل هذا هو من كرامة الرسول على ربه؛ ولهذا عد هذا من آياته ودلائل نبوته، فهو كشفاعته يوم القيامة فى الخلق؛ ولهذا أمر طالب الدعاء أن يقول‏:‏ ‏(‏فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ بخلاف قوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فى نفسى‏)‏ فإن هذا اللفظ لم يروه أحد إلا من هذا الطريق الغريب‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فيه‏)‏ رواه عن شعبة رجلان جليلان‏:‏ عثمان بن عمر، وروح بن عبادة‏.‏ وشعبة أجل من روى هذا الحديث، ومن طريق عثمان بن عمر عن شعبة رواه الثلاثة‏:‏ الترمذى والنسائى وابن ماجه‏.‏
رواه الترمذى عن محمود بن غيلان عن عثمان بن عمر عن شعبة ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سيار عن عثمان بن عمر، وقد رواه أحمد فى المسند عن روح بن عبادة عن شعبة، فكان هؤلاء أحفظ للفظ الحديث‏.‏ مع أن قوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فى نفسى‏)‏ إن كان محفوظًا مثل ما ذكرناه، وهو أنه طلب أن يكون شفيعًا لنفسه مع دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ولو لم يدع له النبى صلى الله عليه وسلم كان سائلا مجردًا كسائر السائلين‏.‏
ولا يسمى مثل هذا شفاعة، وإنما تكون الشفاعة إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرا فيكون أحدهما شفيعاً للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذى لم يشفع غيره‏.‏
فهذه الزيادة فيها عدة علل‏:‏ انفراد هذا بها عمن هو أكبر وأحفظ منه ،وإعراض أهل السنن عنها، واضطراب لفظها، وأن راويها عرف له ـ عن روح هذا ـ أحاديث منكرة‏.‏
ومثل هذا يقتضى حصول الريب والشك فى كونها ثابتة، فلا حاجة فيها؛ إذ الاعتبار بما رواه الصحابى لا بما فهمه إذا كان اللفظ الذى رواه لا يدل على ما فهمه بل على خلافه‏.‏
ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال‏:‏ اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه ـ مع أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يدع له ـ كان هذا كلاماً باطلا، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره أن يسأل النبى صلى الله عليه وسلم شيئا، ولا أن يقول‏:‏ فشفعه فىّ، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه، وإنما أمره ببعضه، وليس هناك من النبى صلى الله عليه وسلم شفاعة ولا مـا يظن أنه شـفاعة، فلو قال بعد موتـه‏:‏ ‏(‏فشفعه فى‏)‏ لكان كلاماً لا معنى له؛ ولهذا لم يأمر به عثمان‏.‏
والدعاء المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، والذى أمر به ليس مأثوراً عن النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏
ومثل هذا لا تثبت به شريعة كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة فى جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات إذا لم يوافقه غيره من /الصحابة عليه ـ وكان ما يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه ـ لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول‏.‏
ولهذا نظائر كثيرة‏:‏ مثل ما كان ابن عمر يدخل الماء فى عينيه فى الوضوء، ويأخذ لأذنيه ماءً جديداً، وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضدين فى الوضوء، ويقول‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، وروى عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول‏:‏ هو موضع الغل‏.‏ فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتباعاً لهما فقد خالفهم فى ذلك آخرون وقالوا‏:‏ سائر الصحابة لم يكونوا يتوضؤون هكذا‏.‏
والوضوء الثابت عنه صلى الله عليه وسلم الذى فى الصحيحين وغيرهما من غير وجه ليس فيه أخذ ماء جديد للأذنين، ولا غسل ما زاد على المرفقين والكعبين، ولا مسح العنق، ولا قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل‏.‏ بل هذا من كلام أبى هريرة جاء مدرجًا فى بعض الأحاديث، وإنما قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنكم تأتون يوم القيامة غراً مُحَجَّلِين من آثار الوضوء‏)‏، وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ حتى يشرع فى العضد والساق، قال أبو هريرة‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، وظن من ظن أن غسل العضد من إطالة الغرة، وهذا لا معنى له، فإن الغرة فى الوجه لا فى اليد والرجل، وإنما فى اليد والرجل الحِجْلة، والغرة لا يمكن إطالتها، فإن الوجه يغسل كله لا يغسل الرأس ولا غرة فى الرأس، والحجلة لا يستحب إطالتها، وإطالتها مثلة‏.‏
وكذلك ابن عمر كان يتحرى أن يسير مواضع سير النبى صلى الله عليه وسلم، وينزل مواضع منزله ويتوضأ فى السفر حيث رآه يتوضأ، ويصب فضل مائه على شجرة صب عليها، ونحو ذلك مما استحبه طائفه من العلماء ورأوه مستحبا، ولم يستحب ذلك جمهور العلماء، كما لم يستحبه، ولم يفعله أكابر الصحابة كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود ومعاذ ابن جبل وغيرهم، لم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر‏.‏ ولو رأوه مستحبًا لفعلوه كما كانوا يتحرون متابعته والاقتداء به‏.‏
وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذى فعل، فإذا فعل فعلا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك، كمـا كان يقصـد أن يطوف حـول الكعبة، وأن يستلم الحجر الأسـود، وأن يصلى خـلف المقـام، وكان يتـحرى الصـلاة عند أسطوانة مسجد المدينة، وقصـد الصعود على الصفـا والمـروة، والدعـاء والذكـر هنـاك، وكذلك عـرفة ومزدلفـة وغيـرهما‏.‏
وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده ـ مثل أن ينزل بمكان ويصلى فيه لكونه نزله لا قصدًا لتخصيصه به بالصلاة والنزول فيه ـ فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه، أو النـزول لم نكن متبعين، بل هـذا من البـدع التى كان ينهـى عنها عمـر بن الخـطاب، كما ثـبت بالإسناد الصحيح من حـديث شـعبة عن سـليمان التيمى عن المعرور بن سـويد، قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب فى سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون‏:‏ صلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال عمر‏:‏ إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبِيَعًا، فمن عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض‏.‏
فلما كان النبى صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته فى صورة الفعل من غيره موافقة له فى قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التى هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم فى ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبى صلى الله عليه وسلم فى الصورة ومتشبه باليهود والنصارى فى القصد الذى هو عمل القلب‏.‏
وهذا هو الأصل، فإن المتابعة فى السنة أبلغ من المتابعة فى صورة العمل؛ ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة‏:‏ هل فعلها استحباباً أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمُحَصَّب عند الخروج من منى لما اشتبه‏:‏ هل فعله لأنه كان أسمح لخروجه أو لكونه سنة ‏؟‏ تنازعوا فى ذلك‏.‏ ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبى صلى الله عليه وسلم، وتعريف ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حريث بالكوفة، فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة، ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته، لم يمكن أن يقال‏:‏ هذا سنة مستحبة، بل غايته أن يقال‏:‏ هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله؛ لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد لا لأنه سنة مستحبة سنها النبى صلى الله عليه وسلم لأمته، أو يقال فى التعريف‏:‏ إنه لا بأس به أحيانا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة‏.‏
وهكذا يقول أئمة العلم فى هذا وأمثاله، تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة، ولا يقول عالم بالسنة‏:‏ إن هذه سنة مشروعة للمسلمين‏.‏
فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه، ولا يكون فى الدين واجبا إلا ما أوجبه، ولا حرامًا إلا ما حرمه، ولا مستحبا إلا ما استحبه، ولا مكروها إلا ما كرهه، ولا مباحاً إلا ما أباحه‏.‏
وهكذا فى الإباحات، كما استباح أبو طلحة أكل البرد وهو صائم، واستباح حذيفة السحور بعد ظهور الضوء المنتشر حتى قيل‏:‏ هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع‏.‏ وغيرهما من الصحابة لم يقل بذلك، فوجب الرد إلى الكتاب والسنة‏.‏
وكذلك الكراهة والتحريم‏.‏ مثل كراهة عمر وابنه للطيب قبل الطواف بالبيت، وكراهة من كره من الصحابة فسخ الحج إلى التمتع، أو التمتع مطلقًا، أو رأى تقدير مسافة القصر بحد حده، وأنه لا يقصر بدون ذلك، أو رأى أنه ليس للمسافر أن يصوم فى السفر‏.‏
ومن ذلك قول سلمان‏:‏ إن الريق نجس، وقول ابن عمر‏:‏ إن الكتابية لا يجوز نكاحها، وتوريث معاذ ومعاوية للمسلم من الكافر، ومنع عمر وابن مسعود للجنب أن يتيمم، وقول على وزيد وابن عمر فى المفوِّضة‏:‏ إنه لا مهر لها إذا مات الزوج، وقول على وابن عباس فى المتوفى عنها الحامل‏:‏ إنها تعتد أبعدَ الأجلين، وقول ابن عمر وغيره‏:‏ إن المحرم إذا مات بطل إحرامه وفعل به ما يفعل بالحلال‏.‏
وقول ابن عمر وغيره‏:‏ لا يجوز الاشتراط فى الحج، وقول ابن عباس وغيره فى المتوفى عنها‏:‏ ليس عليها لزوم المنزل، وقول عمر وابن مسعود‏:‏ إن المبتوتة لها السكنى والنفقة‏.‏ وأمثال ذلك مما تنازع فيه الصحابة، فإنه يجب فيه الرد إلى الله والرسول، ونظائر هذا كثيرة فلا يكون شريعة للأمة إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
ومن قال من العلماء‏:‏ ‏[‏إن قول الصحابى حجة‏]‏ فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولا عرف نص يخالفه، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقراراً على القول، فقد يقال‏:‏ ‏[‏هذا إجماع إقراري‏]‏ إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم، وهم لا يقرون على باطل‏.‏
وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال‏:‏ ‏[‏حجة‏]‏‏.‏ وأما إذا عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق، وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما، ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم‏.‏
وإذا كان كذلك، فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم داعيا له ولا شافعا فيه، فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعًا بعد مماته كما كان يشرع فى حياته، بل كانوا فى الاستسقاء فى حياته يتوسلون به، فلما مات لم يتوسلوا به‏.‏
بل قال عمر فى دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار فى عام الرمادة المشهور، لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنًا حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالعباس قال‏:‏ اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون‏.‏ وهذا دعاء أقره علىه جميع الصحابة ولم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية‏.‏
ودعا بمثله معاوية بن أبى سفيان فى خلافته لما استسقى بالناس‏.‏
فلو كان توسلهم بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم به فى حياته لقالوا‏:‏ كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما، ونعدل عن التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله ‏؟‏ فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم فى حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته‏.‏
وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له فى الدعاء‏:‏ ‏(‏قل‏:‏ اللهم فشفعه فى‏)‏
وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع، بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته، كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المخالف لعمر محجوجًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحديث الذى رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له، والله أعلم‏.‏
وأما القسم الثالث مما يسمى ‏[‏توسلا‏]‏ فلا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم شيئا يحتج به أهل العلم ـ كما تقدم بسط الكلام على ذلك ـ وهو الإقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين أو السؤال بأنفسهم، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم شيئا ثابتًا لا فى الإقسام أو السؤال به، ولا فى الإقسام أو السؤال بغيره من المخلوقين‏.‏
وإن كان فى العلماء من سوغه، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاع كما تقدم بيانه، فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، وبيدى كل واحد حجته كما فى سائر مسائل النزاع، وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين، بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم، فإن القائل بهذا قد قال ما قالت العلماء، والمنكر عليه ليس معه نقل يجب اتباعه لا عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وقد ثبت أنه لا يجوز القسم بغير الله، لا بالأنبياء ولا بغيرهم، كما سبق بسط الكلام فى تقرير ذلك‏.‏
وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله لا لنبى ولا لغير نبى، وأن هذا النذر شرك لا يوفى به‏.‏ وكذلك الحلف بالمخلوقات لا تنعقد به اليمين، ولا كفارة فيه، حتى لو حلف بالنبى صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه كما تقدم ذكره، ولم يجب عليه كفارة عند جمهور العلماء كمالك والشافعى وأبى حنيفة وأحمد فى إحدى الروايتين، بل نهى عن الحلف بهذه اليمين‏.‏
فإذا لم يجز أن يحلف بها الرجل ولا يقسم بها على مخلوق فكيف يقسم بها على الخالق جل جلاله‏؟‏
وأما السؤال به من غير إقسام به فهذا أيضا مما منع منه غير واحد من العلماء، والسنن الصحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على ذلك، فإن هذا إنما يفعله على أنه قربة وطاعة، وأنه مما يستجاب به الدعاء‏.‏
وما كان من هذا النوع فإما أن يكون واجبا وإما أن يكون مستحبا،وكل ما كان واجبا أو مستحبًا فى العبادات والأدعية فلابد أن يشرعه النبى صلى الله عليه وسلم لأمته، فإذا لم يشرع هذا لأمته لم يكن واجبا ولا مستحبا ولا يكون قربة وطاعة، ولا سببا لإجابة الدعاء، وقد تقدم بسط الكلام على هذا كله‏.‏
فمن اعتقد ذلك فى هذا أو فى هذا فهو ضال وكانت بدعته من البدع السيئة، وقد تبين بالأحاديث الصحيحة وما استقرئ من أحوال النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن هذا لم يكن مشروعًا عندهم‏.‏
وأيضا، فقد تبين أنه سؤال لله تعالى بسبب لا يناسب إجابة الدعاء، وأنه كالسؤال بالكعبة والطور والكرسى والمساجد وغير ذلك من المخلوقات، ومعلوم أن سؤال الله بالمخلوقات ليس هو مشروعًا، كما أن الإقسام بها ليس مشروعًا بل هو منهى عنه‏.‏
فكما أنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق، ولا يسأله بنفس مخلوق، وإنما يسأل بالأسباب التى تناسب إجابة الدعاء كما تقدم تفصيله‏.‏
لكن قد روى فى جواز ذلك آثار وأقوال عن بعض أهل العلم، ولكن ليس فى المنقول عن النبى صلى الله عليه وسلم شىء ثابت بل كلها موضوعة‏.‏
وأما النقل عمن ليس قوله حجة فبعضه ثابت وبعضه ليس بثابت، والحديث الذى رواه أحمد وابن ماجه وفيه‏.‏ ‏(‏بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا‏)‏ رواه أحمد عن وكيع عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من قال إذا خرج إلى الصلاة‏.‏ اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاى هذا، فإنى لم أخرجه أشراً ولا بطراً، ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذنى من النار، وأن تدخلنى الجنة، وأن تغفر لى ذنوبى، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضى صلاته‏)‏‏.‏
وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفى عن أبى سعيد، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم، وقد روى من طريق آخر وهو ضعيف أيضًا، ولفظه لا حجة فيه، فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم وحق العابدين أن يثيبهم، وهو حق أحقه الله تعالى على نفسه الكريمة بوعده الصادق باتفاق أهل العلم، وبإيجابه على نفسه فى أحد أقوالهم، وقد تقدم بسط الكلام على ذلك‏.‏
وهذا بمنزلة الثلاثة الذين سألوه فى الغار بأعمالهم‏:‏ فإنه سأله هذا ببره العظيم لوالديه، وسأله هذا بعفته العظيمة عن الفاحشة، وسأله هذا بأدائه العظيم للأمانة؛ لأن هذه الأعمال أمر الله بها، ووعد الجزاء لأصحابها، فصار هذا كما حكاه عن المؤمنين بقوله‏.‏ ‏{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}‏ ‏[‏آل عمران‏.‏ 193‏]‏، وقال تعالى‏.‏ ‏{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ }‏ ‏[‏المؤمنون‏.‏ 109‏]‏، وقال تعالى‏.‏ ‏{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}‏ ‏[‏آل عمران‏.‏ 15، 16‏]‏‏.‏
وكان ابن مسعود يقول فى السحر‏.‏ اللهم دعوتنى فأجبت، وأمرتنى فأطعت، وهذا سحر فاغفر لي‏.‏
وأصل هذا الباب أن يقال‏:‏ الإقسام على الله بشىء من المخلوقات، أو السؤال له به، إما أن يكون مأمورًا به إيجابا أو استحبابًا، أو منهيا عنه نهى تحريم أو كراهة، أو مباحا لا مأموراً به ولا منهيا عنه‏.‏
وإذا قيل‏.‏ إن ذلك مأمور به أو مباح، فإما أن يفرق بين مخلوق ومخلوق أو يقال‏.‏ بل يشرع بالمخلوقات المعظمة أو ببعضها‏.‏ فمن قال‏.‏ إن هذا مأمور به أو مباح فى المخلوقات جميعها، لزم أن يسأل الله تعالى بشياطين الإنس والجن، فهذا لا يقوله مسلم‏.‏
فإن قال‏:‏ بل يسأل بالمخلوقات المعظمة كالمخلوقات التى أقسم بها فى كتابه، لزم من هذا أن يسأل بـ ‏{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 1 ـ 4‏]‏، ‏{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}‏ ‏[‏الشمس1 ـ 7‏]‏ ويسأل الله تعالى ويقسم عليه ‏{بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}‏‏[‏التكوير‏.‏15‏:‏ 18‏]‏، ويسأل بـ ‏{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا}‏ ‏[‏الذاريات‏.‏ 1 ـ 4‏]‏، ويسأل بـ ‏{وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 1 ـ 6‏]‏ ويسأل ويقسم عليه بـ ‏{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}‏ ‏[‏الصافات‏:‏1‏]‏ ، وسائر ما أقسم الله به فى كتابه‏.‏
فإن الله يقسم بما يقسم به من مخلوقاته؛ لأنها آياته ومخلوقاته‏.‏ فهى دليل على ربوبيته وألوهيته ووحدانيته وعلمه وقدرته ومشيئته ورحمته وحكمته وعظمته وعزته، فهو سبحانه يقسم بها؛ لأن إقسامه بها تعظيم له سبحانه‏.‏
ونحن المخلوقين ليس لنا أن نقسم بها بالنص والإجماع، بل ذكر غير واحد الإجماع على أنه لا يقسم بشىء من المخلوقات وذكروا إجماع الصحابة على ذلك، بل ذلك شرك منهى عنه‏.‏
ومن سأل الله بها، لزمه أن يسأله بكل ذكر وأنثى، وبكل نفس ألهمها فجورها وتقواها، ويسأله بالرياح، والسحاب، والكواكب، والشمس والقمر، والليل والنهار، والتين والزيتون، وطور سينين، ويسأله بالبلد الأمين مكة، ويسأله حينئذ بالبيت، والصفا والمروة، وعرفة، ومزدلفة، ومنى، وغير ذلك من المخلوقات، ويلزم أن يسأله بالمخلوقات التى عبدت من دون الله، كالشمس والقمر والكواكب والملائكة والمسيح والعزير وغير ذلك مما عبد من دون الله ومما لم يعبد من دونه‏.‏
ومعلوم أن السؤال لله بهذه المخلوقات أو الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرة فى دين الإسلام، ومما يظهر قبحه للخاص والعام‏.‏
ويلزم من ذلك أن يقسم على الله تعالى بالأقسام والعزائم التى تكتب فى الحروز والهياكل التى تكتبها الطرقية والمعزمون، بل ويقال‏.‏ إذا جاز السؤال والإقسام على الله بها فعلى المخلوقات أولى، فحينئذ تكون العزائم والأقسام التى يقسم بها على الجن مشروعة فى دين الإسلام، وهذا الكلام يستلزم الكفر والخروج من دين الإسلام، بل ومن دين الأنبياء أجمعين‏.‏
وإن قال قائل‏.‏ بل أنا أسأله أو أقسم عليه بمعظم دون معظم من المخلوقات، إما الأنبياء دون غيرهم أو نبى دون غيره، كما جوز بعضهم الحلف بذلك، أو بالأنبياء والصالحين دون غيرهم‏.‏
قيل له‏.‏ بعض المخلوقات، وإن كان أفضل من بعض، فكلها مشتركة فى أنه لا يجعل شىء منها نداً لله تعالى، فلا يعبد ولا يتوكل عليه ولا يخشى ولا يتقى ولا يصام له ولا يسج
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ehabmtwale.forumegypt.net
ايهاب متولى
مؤسس الموقع
مؤسس الموقع
ايهاب متولى


عدد المساهمات : 1578
نقاط : 3229
تاريخ التسجيل : 10/01/2011
العمر : 45

مجموع الفتاوى الجزء الاول   الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموع الفتاوى الجزء الاول الشفاعة   مجموع الفتاوى الجزء الاول   الشفاعة Empty2011-09-08, 20:57

مجموع الفتاوى الجزء الاول   الشفاعة Post-19496-1155500579
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ehabmtwale.forumegypt.net
 
مجموع الفتاوى الجزء الاول الشفاعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
(موقع كفر المشارقة الاسلامى) اشراف الاستاذ ايهاب متولى :: الكتب الاسلامية :: مكتبة الكتب الاسلامية-
انتقل الى: