• أما بعد فيا أيها المسلمون :
قال الله تعالى :" و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا " و ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" من حلف منكم فقال في حلفه و اللات فليقل لا إله إلا الله " .
• أيها المسلمون عباد الله :
إن من المواضيع المهمة و المتعلقة بجانب العقيدة " الحلف بغير الله تعالى " . لقد كان العرب في الجاهلية يحلفون بغير الله . يحلفون بآلهتهم وبالأنداد فمنهم من يحلف بالإله الذي اسمه " اللات " فلما جاء الإسلام قال عليه الصلاة والسلام :" من حلف منكم فقال في حلفه " واللات " فليقل لا إله إلا الله " أمره أن يقول كلمة التوحيد لأنه فعل ما يخالفها . و هذا الحديث المذكور رواه مسلم في صحيحه و لهذا نقول لمن يحلف بغير الله كأن يحلف بالنبي أو الرسول أو الولي أو غير ذلك يقال له كفِّر ذلك بأن تقول " لا إله إلا الله " و لا تعد مرة أخرى إلى الحلف بغير الله . و لقد كانوا أيضاً يحلفون بآبائهم معظمين لهم فجاء الإسلام و نهاهم عن ذلك ففي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"إن الله عز و جل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " .
و اعلموا أيها المسلمون أن من حلف بغير الله فقد أتى بمنكر عظيم و معصية كبيرة ربما تكون أعظم
من كثير من المعاصي التي نعظمها فقد جاء عند الترمذي و قال حديث حسن و أخرجه الحاكم وصححه و وافقه الذهبي وصححه ابن باز كما في الفتاوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " . فمن كان حالفاً فليحلف بالله تعالى أو ليسكت و لا يحلف بغير الله . تعوَّد بعض الناس أن يحلف بالأمانة و قد ورد حديث في هذا رواه أبو داود و أحمد و صحح النووي سنده كما في رياض الصالحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" من حلف بالأمانة فليس منا " .
كما تعوَّد بعض الناس أن يحلفوا و يقولوا " و شرفي " – " و روحي " – " و ديني " – " و رأسي " – أو يقول البعض " و رأس أمي " و كل هذا مما يخالف العقيدة و التوحيد فليست كلمة " لا إله إلا الله " مجرد كلمة تقال ثم بعد ذلك صار المسلم حراً في كلامه و تصرفاته .. فلأجل أن نسلم من العذاب و ندخل في الأمن و الأمان علينا أن نبتعد من كل ما يناقض العقيدة و الإيمان قال تعالى:"الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون " . فلا أمن كامل و لا هداية كاملة إلا بأن يكون الإيمان صافياً غير مخلوطٍ بشيء من الشركيات .
• أيها المسلمون :
و إذا سد الإسلام باباً لا خير فيه أو لأنه شر فتح لنا أبواباً من الخير و من المباحات فيجوز للمسلم أن يحلف بالله أو يحلف بأي اسم من أسماء الله كأن تحلف و تقول : و الرحمن , و الخالق , و الذي خلقني . أو تحلف بأي صفة من صفات الله كأن تحلف و تقول : " و رب العزة " .
• أيها المسلمون :
و من الأمور التي نريد أن ننبه إليها هنا في هذه الخطبة أن بعض الناس يحلف بالله و هذا أمر يشكر عليه لكنه يحلف بالله و هو كاذب . فإذا أخذ شيئاً على صديقه أو على شريكه ثم قال له : هل أخذت الحاجة الفلانية ؟ كذب و قال : لا . فقال له : أحلف . فيحلف بالله كاذباً .و الحلف بالله وأنت كاذب معصية تحتاج من الإنسان أن يتوب إلى الله و أن لا يكرر الخطأ و الذنب مرة أخرى .
لكن الأعظم و الأشد و الأخطر و الأعظم جرماً أن تحلف بالله و أنت كاذب من أجل أن تتوصل إلى أخذ أموال الناس بالباطل . و كثير ما يوجد عند البياعين حيث يقول إن هذه البضاعة تكلفت عليَّ بكذا بألف مثلاً ثم يحلف أنه اشتراها بسعر الجملة بألف و هو يريد أن يبيعها بألف و مائة مع أنه اشتراها بـ"800" ريال . فانظر يحلف أنه اشتراها بكذا و هو كاذب حتى يشتري الناس بضاعته وسلعته يا ويله من عذاب الله فقد جاء في صحيح مسلم و غيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم " قالها ثلاث مرات محذراً ثم ذكر الثلاثة فقال :" المسبل و المنَّان و المنفِّق سلعته بالحلف الكاذب " فليحذر المنَّان من هذا الوعيد , يعطيك ثم إذا حصل بينك و بينه اختلاف منَّ عليك . و ليحذر المسبل من هذا الوعيد الشديد والمسبل هو الذي يطيل إزاره إلى ما تحت الكعبين سواء يطيل بنطاله أو فوطته أو قميصه . و ليحذر الذي ينفِّق سلعته بهذا الحلف الكاذب و بالأيمان المغلظة الكاذبة . فإن العقوبات الأربع المذكورة عقوبات عظيمة تدل على أن المعاصي المذكورة من كبائر الذنوب . لا ينظر الله إليهم و لا يكلمهم ولا يزكيهم و لهم من الله عذاب أليم ..
نسأله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن و أن يجنب إخواننا من الذنوب و يوفقنا للتوبة إليه علام الغيوب.
أقـــــول ................
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين و ............
• أما بعد فيا أيها المسلمون عباد الله :
روى البخاري في صحيحه أن إعرابياً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم و قال له :" ما الكبائر " ؟ قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و اليمين الغموس . قيل للرسول صلى الله عليه وسلم و ما اليمين الغموس ؟ قال : الذي يقتطع مال امرئ مسلم و هو فيها كاذب ". سميت باليمين الغموس لأنها تغمس بصاحبها في النار و الرسول صلى الله عليه وسلم وضح لنا أن اليمين الغموس مثل عقوق الوالدين من الذنوب الكبار و المعاصي العظام . ثم وضح ما هي اليمين الغموس فقال :" الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب ". بمعنى تحلف بالله وأنت كاذب من أجل أن تتوصل إلى أخذ أموال الناس , إلى أخذ أراضيهم إلى أخذ دارهم ودنانيرهم فتراه يحلف بالله كذباً و زوراً أن هذه الأرض أرضه أو هذا المال ماله , أو يحلف أن فلاناً ما أعطاه شيئاً من المال و في كل ذلك هو كاذب غير صادق . من فعل هذا فقد فعل " اليمين الغموس " التي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنها من الكبائر . على من فعل هذا التوبة و الاستغفار و الندم و أن يرجع أموال الناس إلى أصحابها و إلى أربابها و لا تصح توبته إلا بذلك .
• أيها المسلمون الأفاضل :
احفظوا أيمانكم مما ذكرنا في هذه الخطبة و احفظوها من مخالفتها فإذا حلفت فكن عند حلفك . وإذا حلفت أن تفعل كذا أو كذا في المستقبل فكن عند حلفك و لا تخالف . فإن خالفت فعليك كفارة يمين المذكورة في سورة المائدة إما أن تعتق رقبة فإن لم تجد فتطعم عشرة مساكين أو تكسوهم فإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام متتابعات لا تفطر بينهم . و الحذر من الصيام مع قدرتك على الإطعام .
و صلــــــوا .........
.....................................