كتاب مفيد المستفيد
الشيخ محمد بن عبدالوهاب
1115 هـ - 1206 هـ
يحبه كما يحب الله بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله ويغضبون لمنتقص معبودهم من المشائخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين ، وقد شاهدنا هذا نحن وغيرها منهم جهرة وترى أحدهم قد اتخذ ذكر معبوده على لسانه (( ديدنا له )) إن قام وإن قعد وإن عثر وإن استوحش وهو لا ينكر ذلك ويزعم أنه باب حاجته إلى بقلوبهم وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم فأولئك كانت آلهتهم من الحجر وغيرهم اتخذوها من البشر قال الله تعالى حاكياً عن أسلاف هؤلاء (( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) الآية فهده حال من اتخذ من دون الله ولياً يزعم أنه يقربه إلى الله تعالى وما أعز من يتخلص من هذا بل ما أعز من لا يعادي من أنكره والذي قام بقلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وهذا عين الشرك ، وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله وأخبر أن الشفاعة كلها له )) ثم ذكر الشيخ – يعني ابن القيم رحمه الله فصلاً طويلاً في ذكر هذا الشرك الأكبر .
ولكن تأمل قوله : (( وما أعز من يتخلص من هذا بل ما أعز من لا يعادي من أنكره )) يتبين لك بطلان الشبهة التي أدلى بها الملحد وزعم أن كلام الشيخ ( في الفصل الثاني يدل عليها وسيأتي تقريره إن شاء الله تعالى ) وذكر في آخر هذا الفصل أعني الفصل الأول في الشرك الأكبر الآية التي في سورة سبأ (( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله )) إلى قوله (( إلا لمن أذن له )) وتلك عليها ثم قال : والقرآن مملوء من أمثالها ، ولكن أكثر الناس لا يشعر بدخول الواقع تحته ويظنه في قوم قد حلوا ولم يعقبوا وارثاً ، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فيه الإسلام من لا يعرف الجاهلية ) وهذا لأنه إذا لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية فتنقض بذلك عرة الإسلام ويعود المعروف منكراً والمنكر معروفاً والبدعة سنة والسنة بدعة ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد ويبعد بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء البدع ومن له بصيرة وقلب حيّ يرى ذلك عياناً فالله المستعان .
( فصل )
وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والحلف بغير الله وقول هذا من الله ومنك وأنا بالله وبك ومالي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ولولا أنت لم يكن كذا وكذا وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب حال قائله ومقصده ، ثم قال الشيخ يعني ابن القيم ورحمه الله تعالى بعد ذكر الشرك الأكبر والأصغر ومن أنواع هذا الشرك سجود المريد للشيخ ومن أنواعه التوبة للشيخ فإنها شرك عظيم ومن أنواعه النذر لغير الله والتوكل على غيره الله والعمل لغير الله والإنابة والخضوع والذل لغير الله وابتغاء الرزق من عند غيره وإضافة نعمه إلى غيره ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل شرك العالم ، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً لمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه والله لم يجعل سؤال غيره سبباً لإذنه وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل الله لهم العافية والمغفرة ، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة وجعلوا التوحيد ونسبتهم إلى تنقص الأموات وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك وأوليائه المؤمنين بذمهم ومعاداتهم وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا أو أنهم أمروهم به وهؤلاء أعداء الرسل في كل زمان ومكان وما أكثر المستجيبين لهم ، ولله در خليله ابراهيم عليه السلام حيث يقول : (( واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس )) وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد التوحيد لله وعادى المشركين في الله وتقرب بمقتهم إلى الله ) انتهى كلامه .
( والمراد بهذا ) أن بعض الملحدين نسب إلى الشيخ أن هذا شرك أصغر ، وشبهته أن ذكره في الفصل الثاني الذي ذكر في أوله الأصغر وأنت رحمك الله تجد الكلام من أوله إلى آخره في الفصل الأول والثاني صريحاً لا يحتمل التأويل من وجوه كثيرة منها : أن دعاء الموتى والنذر لهم ليشفعوا له عند الله هو الشرك الأكبر الذي بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه فكفر من لم يتب ومنه وقاتله وعاداه وآخر ما صرح به قوله آنفاً ( وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر ) إلى آخره ( فهل بعد هذا البيان بيان إلا العناد ) ؟ بل الإلحاد ولكن تأمل قوله : ( أرشدك الله وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين إلى آخره ) وتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل الشرك الأكبر وإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعله ( وقد ذكر في الإقناع عن الشيخ ) تقي الدين أن من دعا على بن أبي طالب فهو كافر وأن من شك في كفره فهو كافر فإذا كان هذا حال من شك في كفره من عداوته له ومقته له فكيف بمن يعتقد أنه مسلم ولم يعاده فكيف من أحبه ؟ فكيف بمن جادل عنه ، وعن طريقته وتعذر أنا لا نقدر على التجارة وطلب الرزق إلا بذلك وقد قال تعالى : (( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا )) فإذا كان هذا قول الله تعالى فيمن تعذر عن التبيين بالعمل بالتوحيد ومعاداة المشركين بالخوف على أهله
الفهرس
باب يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان
باب في وجوب عداوة أعداء الله من الكفار والمرتدين..
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,